الامرأة المرسومة داخل إطار الصورة المعلقة في البهو الكبير ظلت مكانها لفترةٍ طويلة، تسمع المحادثات ولا تفهم معظمها، وكأنها قادمةٌ من عالمٍ غير عالمها، ترى الأشخاص يتحركون وتعجز عن الحركة معهم، تراقب الوجوه، تسمع النبرات ولا تلقي لها بالاً، تطرب مع الموسيقا وتحبها رغم أنها تعلم أن هذا البيت لا يحب الموسيقا، تراقب وجوه الزوار، تعلم أن هذا المنزل لن يكون خالياً أبداً.
في الليل.. ينام أهل البيت جميعاً وتبقى عيناها تراقب المقاعد، ومع مرور ليالٍ كثيرة تساءلت كيف مر العابرون بهذه السرعة؟ كيف مضوا ولم يلقوا لها بالاً؟ كيف تحدث بعضهم عن الجمال والنجاح ولكن أحداً لم يمعن النظر بها ويرى ندوبها؟ وكيف قال آخرون أنها بشعة لا تلائم المجتمع، ولا يجب أن تكون في المكان، دون أن يسألها إن كانت ترغب بذلك أصلاً!
تبقى مستيقظةٌ طويلاً تتساءل كيف مضى حبيبها هكذا؟ وكيف فرغت الطاولات من الموائد، وكيف بقيت الأماكن بلا أحباب ولا عائلة، وكيف اختفت الإلفة التي عهدتها في حياتها.
فجأةً وجدت نفسها في بهوٍ كبير لا يسعها إدراك مساحته، قيل لها (هذا هو العالم الحقيقي، أنتِ كبيرة ويجب أن تبقي هنا)، بقيت تراقب المكان، الكل يحتفل، يغني ويرقص، بينما تحدق بهم من خلف الزجاج، كل العالم يتحرك وهي ساكنة، شعرت أنها لا تنتمي للمكان، كانت غريبةً عن كل شيء.
ما الخطأ؟ لقد وُجدت داخل الإطار، هي لم ترتكب أي ذنب، ولكنها ألقت اللوم على نفسها.
ما الخطأ؟ هم يرونها داخل الإطار فيظنون أنها سعيدةٌ بوقوفها هناك، لا يمكن للعالم أن يتوقف لأنها كذلك، العالم لم يرتكب أي ذنب، ولكنها ألقت اللوم على العالم.
الزجاج مغبر، غير ممسوح ومشوش، لذلك لم يرَ أحدٌ الندوب على الصورة، ولم يحاول تصليحها أو السؤال عن سر حالها.
من الذي لم يمسح الغبار؟ من الذي راكم الغبار أصلاً؟ من الذي جعل الآخرين يرون حياتها كلوحةٍ مثالية بلا خدوش ولا أخطاء، وذلك بإضافة الغبار الكاذب والمراءاة حوله! هل هي عائلتها؟ البلدة الصغيرة؟ القرية المتطفلة؟ الحي الضيق؟ الكوكب المتسارع؟ من الذي جعل الغبار يبدو جذاباً حتى لا يفكر أحدٌ بمسحه ليرى الحقيقة المخبئة تحته.
واصلت مراقبة الاحتفالات في مكانها، لم تمتد يدٌ تنتزعها من الداخل وتقول لها «الحفلة تحتاج للسير، عليكِ السير معنا.»
بينما تراقبهم جميعاً واصلت سؤال نفسها من المختلف؟ هل هي الغريبة عن المكان؟ أم الناس هم المختلفون؟ هل العالم بداخل الإطار مختلفٌ عن العالم بخارجه؟ لم لا تستطيع أن تتأقلم مع الآخرين.. هل ولدت بعقليةٍ مختلفة حقاً؟ أم أنها مريضةٌ نفسيةٌ تحاول تجميل حالتها!
من الذي أخرجها من قوقعتها الصغيرة إلى بهو الحياة الواسع ووضعها بين كل هؤلاء الأشخاص الغرباء عنها بينما يدعون أنهم يعرفونها جيداً؟
أنت تقرأ
City of gamblers | مدينة المقامرين
Mystery / Thrillerالحياة مقامرة! حتى تعيشها عليكَ أن تضع على طاولة الرهان أشياء كبيرة، ثم تلعب بحذر. عليك أن تتوقع الخسارة، ومن الصعب أن تفوز! قد ترمي رهاناً أكبر من قدرة تحملك، وحين تخسره ستفكر أنه ليس بوسعكَ المتابعة، ولكنكَ تعود لتتابع، لأن الأمر مثل الإدمان. نحن...