رغم أنني كنتُ أنتظر يوم عودة ميلانير إلى القصر، بتُ الآن مرعوباً من الفكرة! ليس لأن ميلانير سيعود وهذا يعني أنني سأكمل عملي، بل لأن أندرياس سيأتي في نفس اليوم أيضاً مستغلاً تجمع العائلة.
كنتُ قد نسيتُ تماماً أنني في منزل العائلة لأجل العمل، الأسبوع الذي مر كان إعلانا عن نهاية الشهر الرابع هنا، ولكني كنتُ متأخراً عن مخططي الزمني لشهرٍ ونصف بسبب ضيوف العائلة ثم مرض ميلانير، بالطبع كان هذا أحد الأسباب، السبب الحقيقي الآخر أنني في ظل المواقف الأخيرة لم أعد أستطيع أن أفكر كثيراً حول العمل أو الراتب العالي أو المبلغ الذي سأتقاضاه حين تنتهي فترة إقامتي هنا أو حتى التعويض الذي علي دفعه للعائلة لو لم أنهِ عملي.
كنتُ جالساً في صالة المنزل على أريكةٍ لوحدي ومقابلي الطاولة في منتصف الصالة، وضعتُ عليها غطاءً قماشياً وبعض قطع الأخشاب الصغيرة، بجانبي علبة أدوات النحت التي جلبتُها من المنزل، مفتوحةٌ ويظهر فيها اثنتي عشر مشرطاً بأحجام وأشكال مختلفة، واحدٌ منهم كان في يدي مع قطعةٍ خشبيةٍ صغيرة أحاول أن أصنع علاقة المفاتيح على شكل شعار العائلة، وبالطبع لم أحتج صورةً له فحين دققتُ النظر وجدتُ أنه كان موجوداً على معظم الأشياء حولي تقريباً.
حاولتُ أن أشغل نفسي قدر المستطاع، وأن أصب جام تركيزي على عمل قطعتي الأولى لأنها الأصعب، ولكني لم أستطع! نظرتُ للساعة كل ثلاث دقائق حرفياً واكتشفتُ أن الوقت كان يمر ببطءٍ مرعب، ونشارة الأخشاب التي تتساقط على الملاءة البيضاء بدت قليلةً للغاية، لم أستطع حتى أن أعمل بإنتاجيةٍ عالية وأنا أنتظر الخامسة مساءً، الوقت الذي حدده ميشيل ليعيد ميلانير للمنزل.
في الحقيقة.. تحسنت صحة ميلانير قبل فترةٍ لا بأس بها، اكتشفتُ أن التهاب السحايا لم يكن أكثر من زكامٍ حادٍ للغاية ويستمر لفترةٍ طويلة، ولكن ألم الرأس الناتج عنه قد يسبب لصاحبه الجنون من التعب والأرق، لذلك كان يحتاج عنايةً طبيةً خاصةً قليلاً.
ميلانير لم يكن مدلل أخويه مطلقاً، ميشيل يعتني به بشكلٍ خاص قليلاً، ولكنه بعد أن تحسن توقف عن تدليله وتمشيط شعره بأصابعه طوال الوقت مثلما فعل حين وصل الأصغر سناً للحضيض في البداية، إلا أن حقيقة بقاءه بالمستشفى ليس بسبب مرضٍ خطير أو لأنه فتىً مدلل، بل لأن ميشيل أراد أن يبعده قدر المستطاع عن الأجواء، فجميعنا علمنا أن روس لن يتردد بتسليمه بعض الأعمال في اليوم التالي، ولا أعلم كيف سيعاقبه لو لم يتمها.
لو لم يكن بوريدروس، فلا أحد.. حرفياً لا أحد، يمكن أن يخرج ميلانير من تحت سيطرة روس، وبوريدروس كان يتجاهل حفيده تماماً وكأنه غير موجود.
كرهتُ هذه العائلة أكثر، فطوال الأسبوعين الماضيين لم يأتِ والدي ميلانير للمستشفى لرؤيته، مر شقيقاه كل يوم واعتنى به ميشيل جيداً ووصى به كل الأطباء والممرضين، ولكن هذا لم يكن كافياً، ربما لأن أمي مريضة وأنا حساسٌ قليلاً هذه الفترة فقد شعرتُ أنني سأحبط كثيراً لو أنني كنتُ مكانه.
أنت تقرأ
City of gamblers | مدينة المقامرين
Mystery / Thrillerالحياة مقامرة! حتى تعيشها عليكَ أن تضع على طاولة الرهان أشياء كبيرة، ثم تلعب بحذر. عليك أن تتوقع الخسارة، ومن الصعب أن تفوز! قد ترمي رهاناً أكبر من قدرة تحملك، وحين تخسره ستفكر أنه ليس بوسعكَ المتابعة، ولكنكَ تعود لتتابع، لأن الأمر مثل الإدمان. نحن...