سهرتُ للصباح واضعاً أمامي ورقة الإيجابيات والسلبيات، وكان علي أن أطلق عليها «المخاوف والمكاسب«
وجدتُ أن لدي مخاوفاً كبيرة حول التجربة، فأنا لم أخرج من القرية للعمل من قبل، ولم أجرب العمل خارج ورشتي بشكلٍ كامل، ولم أقم بمشروعٍ كبيرٍ لوحدي، كما أن البقاء في منزل أشخاص غرباء تماماً بشكلٍ مفاجئ كان مخيفاً قليلاً، لا سيما أن هؤلاء الأشخاص عائلة زوج والدتي الذي أشكك به منذ ثمان سنواتٍ كاملة.
المكسب الأكبر كان أنني سأعرف إن كانت شكوكي تستحق، وسأقضي الفترة القادمة في عملٍ أحبه، وسأكسب مالاً كافياً لتأمين حياةً جيدةً لي، حياةً خاصة.. وأغادر المنزل.
لم أكن من مهووسي مغادرة المنزل، ربما لم أفكر بالأمر بشكلٍ جدي حتى شاهدتُ أول مسلسلٍ على هاتفي المحمول بعد أن أدخل أندرياس الإنترنت لقريتنا البعيدة، ولكنني كنتُ أعلم أن فكرة المغادرة ستجعلني مرتاحاً وسعيداً أكثر من هنا، سأتوقف عن مراقبة أماليا وإزعاجها بملاحظاتي، سأتخلص من الإحباط الذي يراودني حين تبتعد عني وتركض لحضن أندرياس وتشكي أنني أوبخها، والأهم أنني لن أشعر بالانزعاج حين تخبره أنه أهم إنسان في حياتها، سأتوقف أخيراً عن مراقبة دقات الساعة منتظراً عودة أمي من دروسها إلى المنزل.
ربما حملت ورقتي بعض الأسباب الأنانية، ولكن خلال التفكير الطويل وخروجي من المنزل لأمشي نحو السهول تحت ضوء الشروق الأحمر عرفتُ أن حياتي كانت غير مستقرةً مطلقاً طوال السنوات الثمانية الماضية، وربما طوال السنوات العشرة منذ وفاة والدي حين كنتُ بالثامنة عشر.
مند ذلك الوقت، أنا لم أعد نفسي، إدوارد الذي اعتدتُ عليه اختفى، صار يملك أفكاراً ومشاكل كثيرة، أنا لم أعد أملك الوقت لأتحدث معه ولأعيده متزناً مرتاحاً.
جلستُ على الأرض أحدق بالشمس التي تسطع من الأفق، الهواء البارد يحرك الأعشاب وخصلات شعري وكنزتي الرقيقة، وعيني راقبت المنظر بصمتٍ مطبق.
«لستَ ذاهباً إلى إجازة حتى تجد الوقت لنفسك.» صوت الضمير قال ذلك لأرد على الفور «سأبتعد عن هذا الروتين الذي دفنني كل هذه السنوات.»
وهذه الفكرة أقنعتني على الفور، أخرجتُ ولاعةً من جيبي، وأحرقت ورقة الإيجابيات والسلبيات، ومن خلف اللهب المتصاعد منها راقبتُ ضوء الصباح الذي ملأ القرية وعدتُ نحو الورشة لأقضي بقية النهار هناك أكمل بقية عملي.
عدتُ إلى المنزل بعد غروب الشمس بساعتين، كان الجميع هناك، يجلسون في الصالة وعلى الطاولة فناجين شاي يتصاعد منها الدخان، وأمام أماليا كأس عصير برتقالٍ كبير ودفتر تلوين.
رميتُ جسدي المنهك على الأريكة أحدق بسقف الغرفة، أمي نظرت لي باستغراب وكنتُ متعباً حرفياً لأنني لم أنم طوال الليل وعملتُ كل النهار، لم أتوقع في حياتي أن محادثةً صغيرةً مع أندرياس ستجعلني بهذا القلق وكثرة التفكير.
أنت تقرأ
City of gamblers | مدينة المقامرين
Mistério / Suspenseالحياة مقامرة! حتى تعيشها عليكَ أن تضع على طاولة الرهان أشياء كبيرة، ثم تلعب بحذر. عليك أن تتوقع الخسارة، ومن الصعب أن تفوز! قد ترمي رهاناً أكبر من قدرة تحملك، وحين تخسره ستفكر أنه ليس بوسعكَ المتابعة، ولكنكَ تعود لتتابع، لأن الأمر مثل الإدمان. نحن...