في المساء جلستُ في المكتبة لوحدي، لم أتناول الغداء ولولا وجبة الطعام التي جلبها ميلانير من الخارج لكنتُ متعباً من شدة الجوع الآن، رغم ذلك كنتُ مرهقاً للغاية، مع أنني لم أعمل اليوم بشيءٍ يذكر، استيقظتُ بوقتٍ متأخرٍ وقضيتُ وقتاً بتناول الطعام مع ميلانير ثم التحدث مع ليليث، ولكنني بعد أن أغلقتُ هاتفي لم أستطع أن أفعل أي شيء، استمررتُ بالتأمل وحسب، التفكير والتفكير بلا توقف، الندم أحاط بي من كل جانب وكان يخنقني، حتى شعرتُ بالضيق.
كنتُ مرهقاً تماماً لأن كل ذلك الندم أثقل علي، أدركتُ أن دوامة لوم الذات قد تدفع الإنسان إلى حافةٍ لم يتوقع أن يصل لها، وقد كنتُ أقف عند تلك الحافة، أتماسك حتى لا أنهار.
كنتُ مرهقاً لأن الأحلام والأفكار التي كانت في رأسي تساقطت للأسفل، شعرتُ وكأن الجاذبية بأكملها تدفعني نحو الأرض، رأسي كان يؤلمني، وكان من الصعب التماسك خلال التفكير بكل تلك الأمور المختلطة والغريبة التي سيطرت علي، لم أكن في هذه المرحلة من قبل في حياتي سوى عند وفاة والدي، الفقد دوماً يمنحني نفس الإحساس، ليس حزناً.. بل شيئاً أغرب، مثل شعورٍ مختلط بين الفراغ والوحدة.
تلتف الوحدة في قلبي فأشعر أن سبع مليارات إنسان في هذا العالم ليس بوسعهم تخفيف وطأها، تسيطر علي الأفكار، وأتمنى لو أملك شخصاً بوسعه أن يخفف الألم في صدري، ولكني أواجه ذلك وحيداً، وحتى وإن كان هناك شخصٌ ما بجانبي، أشعر أن الفراغ في قلبي لا يمتلئ، وعوضاً عن ذلك يفيض صدري بشعور الفقد.
تحدثتُ مع هانا طوال حياتي كل صباح، في كل يوم كنتُ أخرج لآخذ منها ما تبيعه، ثم أخترع الأحاديث، أسألها عن عائلتها ووالديها، وكيف تسير الأمور في مزرعتهم، وإن كانت تحب الحيوانات الجديدة التي يجبلها والدها إلى المزرعة الكبيرة.
كانت ابنة أغنى رجلٍ في قريتنا، الرجل الذي يملك المنزل الأكبر والأرض الأكبر، وأكبر عددٍ من المواشي والمحاصيل كل سنة، كان يشغل معظم فقراء القرية في أرضه لذلك لم تكن يديها الجميلتين تضطران للعمل في الحقول، كانت تدور على دراجةٍ صغيرة تحمل عليها وعاءً كبيراً من الحليب لمن يرغب بذلك، وكنتُ دوماً من الراغبين، حتى وإن لم نحتجه في منزلنا.
كنتُ أرغب أن أراها، لأنها كانت تسعدني، لم أعلم لم أحببتُها بالضبط، ولكن رغبتي ببناء منزلٍ معها كانت في قلبي منذ أن كنتُ في الثانية والعشرين، أندرياس اكتشفني على الفور، ورغم أنني كذبتُ بشأن مشاعري حينما واجهني، ولكنه مازال يعرف، حتى أنه أرسل لي صورتها ليشجعني على العمل، كنتُ مكشوفاً كثيراً أمامه.
ولكني ترددت، لأني لستُ من النوع الذي يطلب الأموال من زوج والدتي رغم علمي أنه غنيٌ كفاية ليعينني -ومجيئي لهذا المنزل أكد لي ذلك- ولأن أمي كانت تعمل كثيراً في المدرسة وتقضي أوقاتاً طويلةً خارج المنزل طوال المساء أو الليل، كان من الصعب أن أفاتحها بهذه الأمور، أردتُ أن أعتمد على نفسي في هذا الأمر برمته، أردتُ أن أجعل من نفسي شخصاً يستحق الحياة التي أطمح لها، كنتُ أعلم الناس بصعوبة الأمر، وأنني لن أخلق الأموال من الفراغ طالما أتقاضى مبالغاً بسيطةً للغاية مقابل أعمالي في القرية، أو كما قال أندرياس (المبلغ المعتاد) كان أشبه بفعل الخير.
أنت تقرأ
City of gamblers | مدينة المقامرين
Mistério / Suspenseالحياة مقامرة! حتى تعيشها عليكَ أن تضع على طاولة الرهان أشياء كبيرة، ثم تلعب بحذر. عليك أن تتوقع الخسارة، ومن الصعب أن تفوز! قد ترمي رهاناً أكبر من قدرة تحملك، وحين تخسره ستفكر أنه ليس بوسعكَ المتابعة، ولكنكَ تعود لتتابع، لأن الأمر مثل الإدمان. نحن...