خرجتُ من الصباح للمشي، ولكن ليس في حديقة القصر أو بجانب المسبح الكبير، بل مشيتُ في المنطقة بأكملها..
قصر عائلة أنطونيوس كان واحداً من ست قصور بجانب بعضها البعض يفصل بينها مسافات كبيرة مغطاة بالأشجار والأعشاب والأزهار، السيارات الفارهة تسيطر على المنطقة، والكثير من الحرس على بوابة أنطونيوس وبوابات القصور المجاورة، وبقربها وفيما بينها.
الوقت كان مبكراً للغاية ولكن الحرس لم ينتبهوا كثيراً لي لأن الكثير من أبناء الأغنياء خرجوا للركض بهذا الوقت مرتدين ملابس رياضية، وجدتُ مكاناً فارغاً بين قصرين مغطىً بالأزهار لأجلس عليه مراقباً شروق الشمس كما اعتدتُ أن أفعل في قريتي، حراس عائلة أنطونيوس عرفوني جيداً ولكن الحراس في القصر المجاور بدوا متوترين من وجودي قبل أن ألمح حارساً من مرافقي ميلانير يتحدث معهم، على الأغلب أخبرهم أني من العائلة أو أعمل لدى العائلة.
صعدت الشمس في السماء تكسر كل ما تبقى من عتمة اليوم السابق، شعرتُ بأشعتها الدافئة تلامس جسدي بعد ليلتين طويلتين، شعرتُ بها تربت على كتفي، وتخبرني أن أنهض أنا أيضاً لبدايةٍ جديدة، فما انهار لا يمكن إصلاحه، لأنه لا شيء من الأمس سيعود.
مشيتُ لأكثر من ساعتين حول المنطقة، وبما أنني كنتُ مزعجاً كثيراً للحراس فقد شعرتُ بالانزعاج بالمقابل، لأنهم كانوا ينظرون لي في كل خطوة وكل نظرة وكل حركة، وقد وترني ذلك وأشعرني أنني مراقب، ولم أكن لأستمتع أكثر من ذلك.
قررتُ استغلال يوم إجازتي ومشيتُ خارجاً من المنطقة، كان هناك طريقٌ طويل قبل أن أصل إلى شارعٍ عام تمر فيه سيارات أجرة، طلبتُ واحدةً بصعوبة وأخذتني نحو منتصف المدينة.
مشيتُ مجدداً، في الشوارع، في الطرقات الواسعة، والأحياء الضيقة، الممتلئة بالضجيج والغبار والناس والسيارات، مختلفةٌ تماماً عن المنطقة الريفية التي أتيتُ منها حيث لا يوجد سوى الحقول وبعض البيوت.
كل شيء هنا كان ضخماً، متسارعاً وجنونياً، لم أستطع أن أستوعب كم الأشخاص الذين مروا أمامي، والطريقة التي يركضون بها لموقف الحافلة حتى يصلوا لأعمالهم بالوقت، بعضهم يحمل معطف طبيب على ذراعه، وآخر يحمل حقيبةً كبيرة تخرج منها مسطرةٌ هندسية، وثالثٌ يحمل حقيبة بها حاسبٌ محمول كان يبدو كطالبٍ في سنواته الأولى، بينما آخرٌ بملابس رسمية بدا كرئيس قسمٍ ما في شركةٍ مهمة.
وجوهٌ كثيرة كانت تمر أمامي، أشخاصٌ كثر، مختلفون، تائهون في هذه الزحمة. وجوهٌ لم أكن لأحفظها ولو عشتُ هنا ألف عام، وهذا أشعرني بالحرية!! لأن المكان مختلفٌ عن القرية، مثلاً.. لم أضطر لإلقاء السلام على كل شخصٍ يمر، لأنني حرفياً أعرف كل شخصٍ يمر، ولم أضطر أن أتخذ الحذر في خطواتي حتى لا أخرب الهدوء المسيطر على المكان، ولم أضطر أن أراقب الآخرين بفضولٍ لأعرف إلى أين وصلت حياتهم.
أنت تقرأ
City of gamblers | مدينة المقامرين
Mystery / Thrillerالحياة مقامرة! حتى تعيشها عليكَ أن تضع على طاولة الرهان أشياء كبيرة، ثم تلعب بحذر. عليك أن تتوقع الخسارة، ومن الصعب أن تفوز! قد ترمي رهاناً أكبر من قدرة تحملك، وحين تخسره ستفكر أنه ليس بوسعكَ المتابعة، ولكنكَ تعود لتتابع، لأن الأمر مثل الإدمان. نحن...