31 |من وضع الغبار على إطار الصورة؟|

500 85 8
                                    

طوال الطريق نحو منزلي لم نتحدث أنا وميلانير أبداً، اتصلتُ بليليث حين صرنا بمنتصف الطريق تقريباً وأخبرتُها بما حصل وما قررتُه وأني أحتاج بضع ساعات لأصل للمنزل.

كان ميلانير يقود بسرعةٍ مرعبة حتى ظننتُ أنني ربما لن أصل حياً، سيارته رياضية وحديثة، وبطبيعته المتهورة كادت السيارة أن تطير على طريق السفر..

كانت ملامح الريف تتضح لي مع مرور الساعات، القرية التي أتيتُ منها كانت صغيرةً وبعيدةً، لم يكن فيها مستشفى أو حتى موقف حالات أو متاجر ألبسةٍ جيدة وكنتُ أضطر للذهاب للقرى المجاورة لو احتجتُ شيئاً، قريةٌ منعزلة وغير واضحة بما يكفي ليختبئ بها رجل كان يضع نفسه وسط العصابات ويدعي الآن أنه ميت.

بعد مرور ساعات على الطريق بانت ملامح القرية على جهاز تحديد المواقع في السيارة، وبعد أقل من نصف ساعة اضطر ميلانير ليخفض سرعته أخيراً وينحرف لمدخل القرية، حينها عاد كل شيء مألوفاً جداً، كل الطرقات التي مشيتُ بها لسنوات وسنوات حتى حفظتها قدمي، كنتُ أستطيع استنشاق رائحة هواءٍ نقي اعتدتُه لأكثر من ثمانيةٍ وعشرين عاماً، بينما بدا ميلانير متعجباً وينظر حوله طوال الوقت أكثر من القيادة، وكأنه يسأل نفسه إن كنتُ حقاً أعيش بهذا المكان البسيط طوال حياتي.

سكان القرية خرجوا من بيوتهم ينظرون للسيارة الغريبة، بنفس الطريقة التي تطلعوا بها لسيارة أندرياس أول مرة، الأمر الذي دفعني لأرفع النافذة المغطاة بلونٍ أسود وأرجع ظهري للوراء حتى لا يروني لأني لم أكن في مزاجٍ جيد لألقي التحية على أحد.

أخبرتُ ميلانير بطريق منزلي، وعلى عكس الطريق السابق بدأ يقود ببطء شديد حتى شعرتُ بأعصابي تُستفز بسبب نظرات الآخرين حولنا حتى وصل أخيرا لمنزلي.

أوقف السيارة بجانب الباب، من حسن الحظ أن بيوت القرية كانت بعيدةً عن بعضها، لأن الأشخاص الذين تجمعوا كانوا بعيدين عنا، ولكن بجانب باب المنزل مباشرةً وقفت ليليث، مازالت تبدو وكأنها قد تلقت الخبر للتو، وحالما نزلت من السيارة مشت باتجاهي بخطواتٍ سريعة وعانقتني بقوة شديدة.

ليلث حاولت أن تعطيني كل شيء في عناقها، اشتياقها لي من غيابي لستة أشهر، حزنها على وفاة أمي، ودعمها لي، لقد كانت تعرف من البداية أن الأمور لن تكون بأحسن صورتها، لقد دعمتني قبل مغادرتي، وحين أخبرتُها بمرض أمي، والآن تبدو وكأنها تبكي لأجلي، لذلك انتهى بي الأمر أبتسم قليلا لأول مرة منذ وفاة أمي، وأرفع يدي مربتاً على ظهرها قليلاً.

«أنا آسفة، لم أكن معكَ طوال الوقت، عانيتَ كثيراً في الأشهر الماضية.»

«لا بأس ليليث، لم أكن وحيداً، وقد كان وقوفكِ معي أكثر من كافٍ.» همستُ لها بينما أبعدها قليلاً عني ورأيتُ بعض الدموع على وجهها مما دفعني لأمسحهم سريعاً، في كل لحظة من حياتي عاملتُ هذه الفتاة كأختٍ كبرى، ولم أردها أن تحزن أبداً.

City of gamblers | مدينة المقامرينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن