مر شهرٌ آخر، وبذلك أكون قد ابتعدتُ عن المنزل شهرين كاملين من الأشهر التي غادرتُها لأعمل، شهرين دون التحدث مع عائلتي سوى عبر الهاتف، ودون رؤية أماليا ومعانقتها والنوم بجانبها لو راودتها الكوابيس.
شهرين كاملين، والأسئلة الكثيرة في رأسي تزداد، والقلق الذي يدور في خلدي لا يتوقف.
أنا لم أكن من هذه العائلة، فكرتُ كثيراً أن علي إنهاء عملي والعودة للمنزل دون أن أهتم بأي شيء حول أعمالها، وقد كنتُ سأفعل ذلك لو لم تكن أمي زوجة ابنهم، ولو لم يكن نصف عمال المنزل يقولون أن هذا الابن ميت، بينما سكان المنزل يتحدثون عنه بأريحية ويعرفون أنني قادمٌ من طرفه.
ربما لم أكن سأهتم بهذه الطريقة المؤرقة لو لم أكن أجلس مع توانا كل يومٍ أو يومين ونتحدث بأشياء عامة، حول الأعمال والكتب والحياة، ولأنني في كل مرةٍ من هذه المرات كنتُ أخرج بنفس النوع من الأسئلة، ولا سيما أنها كانت جزءاً من الأجواء المتوترة في المنزل في الفترة الأخيرة.
رغم ذلك لم تكن تشعرني بهذا التوتر، ربما لأنها ليست من العائلة فعلى الأغلب هي تفكر بالموضوع على أنه فقط جزءٌ من العمل، لذلك لا تشاركني هذا العمل السري، ولا تحمل توتره معها للخارج.
ربما في البداية تعرفنا بطريقةٍ غريبة، ولم نصبح أصدقاء بشكلٍ لائق، ولكننا أصبحنا كذلك مع الأيام، وهي من تملك الفضل بهذا، هي من كان يجلب لي أطعمةً كل فترة، وهي من تمر لتسلم علي كل يوم وترى عملي قبل أن تصعد لمكتب السيد روس أو بوريدروس، هي من كان يختلق المحادثات اللطيفة حين كنتُ أحاول دفعها للحافة أستدرجها لتقول لي معلوماتٍ عن العائلة (لم أنجح بذلك مطلقاً)، هي من كانت تراسلني لتطمئن علي لو رأتني متعباً، وهذا النوع الدافئ من الأشخاص كان مريحاً.
هأنذا أجلس معها في المكتبة، أراقبها تقرأ كتاباً ما وتنقل شيئاً إلى دفترٍ تحمله معها، انتبهت لي لترفع حاجبيها وتسأل «ما الأمر؟»
«لا شيء، أتساءل فقط كم نحن متشابهان.» قلتُ بتردد وأمالت رأسها «لماذا؟»
«أعني.. أوضاعنا في هذا القصر، أعتقد أنني سعيدٌ بما يكفي لأن بوسعي الدخول لهذه المكتبة رغم أنني أعمل هنا وحسب.»
«تقصد أننا عمال مميزون؟» قالت ضاحكة وحركتُ رأسي إيجاباً بينما أضحك أيضاً، أنا أعلم تماماً أن تحدثها مني وتقربها لي كان لهذا السبب وحسب، لأنها تعرف تماماً كم نحن متشابهان في المكان، لسنا من العائلة، ولسنا من أصدقاء العائلة، نحن أعلى من الضيوف، وأقرب للعمال، ولم يكن غيرنا هنا يملك هذه المكانة التي لا تملك اسماً حتى.
في البداية تحدثت معي لأنني كنتُ أجعل فترة عملها ممتعة، حين يعطيها السيد روس فترة راحة فهي تجد شخصاً لتتحدث معه فتتطفل على مكان عملي بأريحية وتبدأ بالتعليق على كل ما أفعله حرفياً ولو لم تكن تفهم أي شيءٍ به، أو حين تكون بمزاجٍ جيد وتبدأ بسؤالي عن سبب كل خطوة أخطوها قبل العمل وأشرح لها ما سماه ميلانير (فلسفات هندسية) لن تتذكر منها شيئاً في اليوم التالي.
أنت تقرأ
City of gamblers | مدينة المقامرين
Mystery / Thrillerالحياة مقامرة! حتى تعيشها عليكَ أن تضع على طاولة الرهان أشياء كبيرة، ثم تلعب بحذر. عليك أن تتوقع الخسارة، ومن الصعب أن تفوز! قد ترمي رهاناً أكبر من قدرة تحملك، وحين تخسره ستفكر أنه ليس بوسعكَ المتابعة، ولكنكَ تعود لتتابع، لأن الأمر مثل الإدمان. نحن...