بعد مرور عشر أيام على مكوثي في منزل عائلة أنطونيوس كنتُ قد اعتدتُ تقريباً على كل أمورهم الغريبة عني، وبدؤوا يعتادون على نظام حياتي.
أستيقظ كل صباح في الخامسة وأبدأ بأعمالي تحت ضوء النهار الذي يسطع رويداً رويداً، في السابعة والنصف أتوقف لمشاركة العائلة الإفطار.
طاولة الإفطار خاصتهم غالباً ما تكون فارغة، لمّحت إيريس أن ذلك لأن معظمهم يقومون بأعمالهم في وقت متأخرٍ من الليل، بعد الانتهاء من تناول الإفطار أخرج مجدداً للحديقة لأستمر بالعمل حتى الخامسة مساءً، ثم أتوقف بعدها لأستحم وأحضر وليمة الغداء التي يحظر على شخصٍ ما أن يغيب عنها أو أن يخالف قوانينها.
أعود لأسترخي في غرفتي، غالباً ما يرسل لي ميلانير الشاي لأنني أرفض الجلوس معهم بحجة أنني بحاجةٍ للراحة بعد العمل الطويل، ولكني في الحقيقة كنتُ متردداً من الجلوس معهم في صالة ذلك المنزل الكبير، ملتفين حول طاولةٍ واحدة عليها فناجين الشاي وصحون الكعك والمخبوزات، لم أكن قريباً منهم لهذا الحد، وما وصفه لي ميلانير حول هذه الجلسة جعلني أدرك أنها الجلسة الوحيدة العائلية التي يقومون بها، بالمعنى الأقرب لكلمة عائلة طبعاً.
في المساء أحادث أماليا وأندرياس وأتصل بأمي، أحياناً ترد علي وأحياناً تغلق الخط وترسل لي رسالة، وكان هذا كافياً، كونها ردت علي لمرة وحسب يعني أنها مررت خطأي.
ميلانير يستمر بالتذمر حول استيقاظي الباكر ويقول أنه يرغب بالوقوف معي لبعض الأمور، لذلك كنتُ أنظف وأحضر مساحة العمل وأجهز الأغراض حتى يستيقظ في الثامنة ونبدأ عملنا معاً، هو يخبرني بالعديد من الأمور النظرية، وأنا أخبره ببعض الأشياء من خبرتي العملية، كلانا كان يحترم معرفة الآخر وهذا ما جعل الوضع مريحاً، في بعض الأحيان يقول أن ما أقوم به مثيرٌ للاهتمام ويشمر عن ساعديه بغية مساعدتي، أحياناً يغوص بين مواد البناء والإسمنت وقطع الأخشاب التي كنتُ أقطعها على شكل مستطيلاتٍ متساوية لتشكل البناء الخارجي، ولكن خبرة ميلانير المحدودة جداً في النطاق العملي جعلتني أبعده تماماً عن المنشار وتقطيع الخشب رغم أنها الخطوة الأسهل، ولكنه كان أحمق قليلاً.
بشكلٍ غير متوقع.. كان العمل ممتعاً للغاية، ليس بسبب مساعدة ميلانير وسخافاته -وهو سبب بالطبع-، بل لأنني كنتُ في مكانٍ جديد وأقوم بأشياء جديدة وأتعلم أموراً جديدة علي، الإحساس المزعج بالغربة الذي راودني في اليوم الأول تلاشى بالتدريج وحل مكانه سلامٌ بسيطٌ جعلني أكثر راحة في كل شيء، مراقبة غروب الشمس، والشعور بضوء الصباح من النافذة الكبيرة في غرفتي كان كافياً ومريحاً ليزيل تعب النهار والأفكار السلبية كلها.
في كل يومٍ من الأيام العشرة الماضية كان هناك خادمة تجلب لي كأس عصيرٍ باردٍ في الثانية ظهراً، في هذه الفترة أستريح تحت ظل شجرة تفاح كبيرة بجانب الحديقة، أسند جسدي على جذعها العريض وأراقب المكان، العاملين في التنظيف، المسبح الكبير في الجانب الآخر وبعض أفراد العائلة يسبحون فيه أو يجلسون بجانبه في فترة الظهيرة رغم برودة الجو، والمزارعون الذين ينسقون كل هذه النباتات خلال النهار مع مهندس زراعي يشرف عليهم.
أنت تقرأ
City of gamblers | مدينة المقامرين
Gizem / Gerilimالحياة مقامرة! حتى تعيشها عليكَ أن تضع على طاولة الرهان أشياء كبيرة، ثم تلعب بحذر. عليك أن تتوقع الخسارة، ومن الصعب أن تفوز! قد ترمي رهاناً أكبر من قدرة تحملك، وحين تخسره ستفكر أنه ليس بوسعكَ المتابعة، ولكنكَ تعود لتتابع، لأن الأمر مثل الإدمان. نحن...