18 |منزل الغرباء|

510 97 28
                                    

لم أتناول الغداء مع العائلة ولا ضيوفها، استغللتُ تلك الفترة لآخذ بعض الكتب من المكتبة أملأ بها غرفتي حتى الأسبوع القادم أو حتى يغادر الضيوف الذين لا أعلم مدة بقائهم، في المساء صنعتُ الشاي من المطبخ الصغير في الطابق الأخير، وجلستُ في شرفة غرفتي أشربه ولم أصطدم حتى الآن بالضيوف في نفس الطابق الذي أسكن به.

صباح اليوم التالي شاركتُهم على الإفطار، كان ميلانير جالساً بجانبي، صامتاً تماماً، وبدا مرهقاً كثيراً، أشار بيده لكأس الماء بجانبي لأعطيه إياه، ولكنه حالما أمسكه أفلت من بين أصابعه ووقع على الأرض لينظر الجميع نحوه.

«أعتذر.» قالها بصوتٍ خافت وهو يحني رأسه ثم نظر للخادمة التي تقف وراءه وقال «هل يمكنكِ أن تنظفي هذا؟»

حين اقتربت من مكان جلوسه وقف ليفسح لها الطريق ثم ابتسم وأضاف «سأصعد لأبدل ملابسي، شكراً على الطعام.» وغادر بعدها.

لمحتُ جاي يأكل طعامه بصمت، لاحظتُ للمرة الأولى كيف أن سباستيان هو الفرد الوحيد على الطاولة الذي يحمل طعامه على حضنه ويرجع قليلاً للوراء، وكأنه يحاول أن يخفي جسده خلف جسد شقيقه حتى لا يراه أحدٌ هنا.

هذا المنزل حيث يشعر طفلٌ ما أنه غير مرغوبٍ به، هذا المنزل حيث يمكن لمجيء ضيفٍ ما أن يوتر كل الأمور لساعات، في هذا المنزل يكذب الأشخاص على بعضهم بساعات عملهم في الخارج حتى يمنحوا أنفسهم بعض الحرية، وترتدي الأختان ملابس رسمية طوال الوقت لأنهم في حالة عمل حتى أثناء تناول الإفطار مع ضيوفهم، في هذا المنزل يقول الشاب لجده وأعمامه (شكراً على الطعام) بعد الانتهاء من وجبة إفطارٍ عادية بطريقةٍ يبدو فيها وكأنه يعتذر على إزعاجهم أو على وجوده.

مازلتُ أملك فضولاً محضاً لم ترك أندرياس قصر عائلته وأتى ليعيش في الريف في بيتنا الصغير، ولكني يوماً بعد آخر أشعر بالسخط حول المكان، وأشعر أنني لا ألومه، هذا المنزل يعامل الجميع كغرباء..

«لقد شبعتُ أيضاً.» قلتُ تلك الجملة ونهضتُ مغادراً قاعة الطعام لألحق ميلانير سريعاً، وجدتُه واقفاً بجانب باب المصعد ينقر بقدمه على الأرض لأبتسم له «ما الذي تفعله؟»

«سأصعد لأبدل ملابسي، بما أنكَ هنا.. تعال معي لأعطيكَ بعض الأوراق.»

حركتُ رأسي إيجاباً وضغط على الطابق الثاني، دخل إلى الغرفة الأخيرة في الممر، ضغط على زرٍ بجانب الباب لتنفتح الستائر وتضاء الغرفة بشمسٍ دافئة، واستطعتُ أن أرى صوراً مختلفةً على الجدران تحوي رموزاً لم أفهمها، وصور أبنيه ومخططات معمارية، وصوراً مختلفةً لدراجاتٍ نارية وأسلحة وغيرها من اهتمامات ميلانير الغريبة، والعديد من الرسومات التي لم أفهمها، وأشار لي لأجلس على كرسي المكتب الكبير مقابل السرير ذي الأغطية الحمراء الداكنة.

City of gamblers | مدينة المقامرينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن