٠٢٥

537 34 223
                                    


نزل من السَّيًَارة مُرتاعًا وأقدامه تركض بطريقة أسرع من قُدرات عقله على الاستيعاب! إمَّا هُوَ، الشخص الَّذي نظر لذلك المشهد بجمود تام، كأن أحدهم قد سرق منه كُلَّ مواساة جمعها لنفسه طوال هذِهِ السنين وحكم عليها بالفشل التام! هوجِمَ بأقسى مشهدٍ عاشه، كرَّره عليه صاحب الدهر للمرَّة الثانية.. كيف ولماذا؟ ليس بوسعه تقصي الجواب حَتَّى..

حرك يديه المرتجفة المترددة تأبى الحراك، شجع نفسه مرغمًا وترجل من تلك السَّيَّارة ونزل وسط الشارع متجاوزًا تلك المسافة الكبيرة الَّتي شغلتها بعض السَّيَّارات الَّتي وقفت بسبب تعطل الشارع وذلك الحريق الًَذي يوحي بأنفجار السَّيَّارة في أيَّة لحظة وذلك جعلهم يوسعون الدائرة ويقفون بمكان بعيد..

لَكِنهم لم يفعلوا شيئًا غير النظر لهذا الحادث الكبير بنظرات الفضول والشفقة والقليل من حاول تقديم المساعدة الفعلية.. فالحادث كان مأساويًا.. إمَّا هُم فكانوا متأخرون بفارق زمني قدره دقائق.. ولَكِن كبير بمقياس الحادث!

في تلك الثواني الَّتي سبقه فيها سيهون يركض مثل الَّذي هو بلا عقل ونيته هِيَ تِلك السَّيًَارة المُحطمة ويشتعل جزئها الأمامي وستنفجر في أيَّة لحظة! ماذا سيفعل؟ هل سيدخل وسط النيران؟ هل باستطاعته حَتَّى؟ وَهُوَ عندما اقترب مقدار المترين من السَّيَّارة فقط قد هاجمته الحرارة والشرار من كل جانب بطريقة تدفعه للتراجع باستماته! كأن جسده يخاطبه ويقول: أانت مجنون؟ ليس باستطاعتك ذلك! لم تُخلق من حديد.. كُلَّ ما انت طين هش!

هَكَذَا هُم البشر، يعيشون كامل حياتهم على قمم المجد والعلا، وفي أوَّل لحظات المصيبة ينهارون كأنهم أضعف المخلوقات!

-هيلدا!
صرخ سيهون صرخة الألم الَّتي توحي بتمزق قلبه عن شغافه، في اللحظة الأخيرة الََتي عانقه فيه أخاه الأكبر ويدفعه باستماتة نحو الخلف وقد أوشكت النيران على إلتهام جلدهم ونهشه بالكامل!

كان عقل سيهون لم يعد يتقبل الحقائق والمنطق وقدراته الجسدية، ظَلَّ على أصراره يحاول دفع كاي عنه وهدفه الوحيد هُوَ الوصول إلى أخته الكامنة داخل تلك السَّيَّارة التي تحترق!

وَلَكِن لأن الموقف قد أخذ بثقله جزءًا كبيرًا من قوى سيهون النفسية والجسدية فجعل من جسده مزعزعًا وجعل من مهمة دفع كاي عنه أصعب وأصعب ولهذا يتحول إلى الصراخ الممزوج بالدموع والتوسلات: أتركني.. إنها اختنا.. أوليست أختك أجبني! اتركني أرجوك!

أستجمع كاي كُلَّ ما لديه من قوة فدفع سيهون دفعة حاسمة أسقطته أرضًا وكانت النقطة الأخيرة الَّتي انهار فيها كُلَّ شيء بالنسبة لسيهون ودخل بعدها في حالة عميقة من الصدمة..

لَكِن ما يُحفز صدمته ويوقظه منها هُوَ عندما يرى كاي قد ألتف وراءه ذاهبًا نحو السَّيَّارة بعدما صاح به: اِتَّصل بالأسعاف فورً! أنهض سيهون واِتّصل في الحال!

لَعْنــة فـالْتـَـردُوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن