٠٣٩|النهايـة

20 4 38
                                    


في ممرات المستشفى.. المكان الَّذي صار حافلًا بالذكريات السيئة بالنسبة لهم، لا يوجد تخطي للأزمات.. هُنالِكَ فواجع تتبعها، تتوج حيواتهم بأحداث أسوا منها..

لَكِن الشيء الوحيد الَّذي خرجوا رابحين منه بعد كُلِّ هذِهِ المآسي.. كان وبلا شك هُوَ تقاربهم كأخوة، كعائلة.. ولا يعرفون كيف صار لعائلتهم طعمًا أجمل بأنضمام كاي.. ربما لأن العوائل تتعافى لو تواجد الجميع، وربما لأن العوائل تتعافى لو كان أكبرهم يجيد لغة التفهم وليده لمسة حنونة..

كان كاي ومقارنة مع كونه شخصٍ نشأ بلا أخوة.. إلاَّ إنه يُحرز إنجازًا عظيمًا في دوره، ورغم إنه كان الأحوج من بين الجميع هنا ليد تربت عند خده وتواسيه بكلماتٍ حنونة، لَكِنه يتلفت من حوله كأنما استيقظ لتوه.. يرى أخوته مبعثرون، فيعمل على جمعهم في مكانٍ واحد، أمسكَ بيد هيلدا فناظرته هي بعينين مليئة بالدموع، عندما همس لها وفي عينه أنعكاسٍ أسوا من دموعها: لا تبكي.. أدعي، سيقبل الله الدعوات وقت الأزمات..

تنجرف عينه للجالس بجانبها.. جون وقد ناظره بعينين متشوقة منذ أن نطق أحدهم بجملة باعثة للأمل.. لقد حطمهم كُلِّ شيء منذ لحظة مجيئهم، لم يعطهم المسعفون أملًا ولم يفعل الطبيب ولا الممرضة! جلسوا على أتم الاستعداد لتلقي خبر تعيس في أيِّة لحظة..

-سيهون..
ناداه ليأتي عندهم، فكأنه استنفذ الكم الأكبر من الجُهد واجه صعوبة للنهوض بعد جلوسه القرفصاء أمام أخته ليواسيها ويطلب منها أن تدعو الله، صار يجلس بجانبها بعدما تنحى أوتو جانبا وأتاح له مقعدع للجلوس..

ثُمَّ التحق بهم سيهون الَّذي أنسحب لتوه للحصول على لحظات من البكاء بمفرده.. وبصفته أخٍ كبير كان يُدرك إنه لا يحق للأخ الكبير إظهار خوفه أو ضعفه..

لَكِنه منذ أن رأى كاي وَهُوَ يلملم شتاتهم فأنه قد استقال من فكرة أن يكون أخٍ كبير، هُوَ فقط جلس بجانب أخيه الأكبر ووضع رأسه بين كفي يديه يخفي دموعه وما هِيَ إلاَّ لحظات حَتَّى سحبته يد كاي وَهُوَ يعانقه ويطبطب على ظهره قائلًا بثبات يُدرّس: لا تقيم الحدادَ، لازلنا لم نتيتم بعد.

أخرج سيهون رأسه من يديه وتوقفت عينيه عن ذرف الدموع وَهُوَ يهزّ رأسه له بأيجاب، عندها أفلته كاي وأرجع رأسه للخلف يسنده على الجدار ورائه ويطالع الجدار المقابل لهم بشرود، في تلك الإثناء كأنه صار يحفظ ما هِيَ متطلبات دوره كأخ كبير جيدًا أو إنه ماهرٍ بالفطرة، يرفع يده اليسرى ويضعها فوق كتف هيلدا الَّتي ضمت نفسها في حضنه فورًا ودموعها قد جفت على خديها..

عندما قالت والصدمة لا تفارقها: كان يعاملني بشكل جيد.. وَيذكرني بطفولتي.. لو غادر قبل أن أتذكر شيئًا.. قلبي يؤلمني! سأدعو له، لعلّ الله يتذكره.

يجيبها كاي على الفور رغم أكتظاظ أفكاره: لا ينسى الله أحد.

تنهَّد سيهون بهمٍ وكاد يفقد مجددًا سيطرته على نفسه وَهُوَ يتخيل أسوا سيناريو عندها أقتربت كاتيا من مقعده وضمته لصدرها بينما تحني ركبتها للوصول لمستواه، وقد تركت قبلة عند خده وهي تواسيه قائلة: لا تقلق العم أدولف قوي وسيتخطاها.. لقد صمد رغم مرضه حَتًَى هذا اليوم.. لن يكون الأمر صعبًا عليه هذِهِ المرَّة.

لَعْنــة فـالْتـَـردُوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن