٠٣٢

18 5 213
                                    


رأته على نفس حالته القديمة، جالسًا في زاوية من زوايا غرفته ويضع ألبوم صور طفولته في حضنه وصورة منها تكمن بين يديه وفي يده الثانية قنينة زجاجية حيث صار يشرب الآن في وضح النهار كأن حَتَّى فكرة إن أخته على قيد الحياة لم يكن شيئًا قادرًا على إسعاده وأخراجه من حالة البؤس والأحباط هذين..

وهي ملزومة مثله، تجد إن قلبها لا يُطيق فكرة تركه والرحيل رغم إن عقلها يستمر بنصحها للأبتعاد عنه والمغادرة.. أتبعت قرار قلبها ودخلت غرفته على توجس، مشت حَتَّى جلست بجانبه على الأرض العارية وعندما رأت الصورة الَّتي بين يديه إنها كانت تجمعه بأخويه جهلت إنه كان يطوي الطرف الأيسر منها والَّتي كانت تتضمن والدته، فقالت:

لماذا تنظر لهم في الصور؟ إنهم موجودين وبأمكانك الذهاب إليهم الآن..

كأنه أخيرًا أنتبه لوجودها رفع عينيه وناظرها لبضع ثوانٍ جعلت نبضات قلبها تتسارع دون أسبابٍ واضحة، ثُمَّ يجيبها بنبرة كئيبة: لا أدري..

بسبب جوابه الغامض هذا وغير الكافي سألته مجددًا: ماذا؟ لماذا لا تعرف؟ ألم تكن تبكي لفراق أختك منذ يومين فحسب؟ أنظر إنها موجودة هنا!
تُخبره وعينيها تلمع وابتسامتها بالمثل تحاول إمداده بالأمل لأستيعاب هذِهِ الحقيقة المُذهلة وعندما رأت إنه كان يطالعها بشرود ولم يبدي أيِّ تفاعل ملوحظٍ معها سوى إنه قد أخذ رشفة صغيرة من قنينته، تتنهَّدَ ويصيبها الإحباط فجأة.. ولا تعلم كيف تشجعت لتقول بعدها بنبرة حزينة:

أتعلم؟ كان لديّ أخٍ أكبر مني بسنة.. لَكِنه توفي باكرًا جدًا.. عندما كنتُ في السادسة من عمري..
تصمت للحظات كأن عقلها أنشغل ببعض الذكريات السعيدة الَّتي تجعل ابتسامة صغيرة تطئ شفاهها، ثُمَّ تواصل: كان الوحيد الَّذي يلعب معي في المنزل بما إنه من عمري.. وَلَكِن.. لقد توفي لأنه ولد بمرضٍ مزمن..

تصمت مرَّة ثانية، كانت تنظر في الفراغ وتبدو غارقة في أفكار لا يعلم عنها شيئًا لَكِنها بطريقة ما جذبت إنتباهه وجعلته مشدودًا لكلامها، ثُمَّ فجأة تقول جملة أخيرة: ربما لهذا السبب يتجنبني الجميع في المنزل.. أنا أذكّرهم به..

تنظر لعينيه عن طريقة الصدفة فتبعثرها تلك النظرة المُهتمة منه، ذَلِكَ يجعلها مرتبكة للحظات حَتَّى تجبر نفسها على تغيير السيرة بأن تطرح عليه سؤالًا:

ماذا عنك في هذِهِ اللحظات؟ لماذا تبدو حزينًا على الرّغم من إن أختكَ على قيد الحياة؟

يجعله سؤالها خجلًا من الجواب للحظات، لولا إنها تستنتج الجواب بنفسها فتطرحه على صيغة سؤال: والدتكَ، صحيح؟

يستسلم لتلك الحقيقة أخيرًا، فيقول: أدركت في العشرة أيام الماضية.. إن العيش كشعور اليتيم رّغم وجود كلا والديكَ هُوَ شيء متعب جدًا..
يصمت للحظات وَهُوَ شاردة في الصورة بين يديه لَكِنه يستوعب من صمتها الَّذي لم يعتاد عليه إنه قد أقترف خطئًا جارحًا بحقها، فيناظرها بسرعة مدركًا حماقة ما قال، وكاد ينطق ليوضح لها إنه لم يقصد قول ذَلِكَ أمامها لَكِنها سبقته عندما قالت:

لَعْنــة فـالْتـَـردُوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن