الحقيقه غير المرغوبه

15 2 3
                                    


صعد الثلاثة إلى الطابق الثاني، حيث الغرفة التي جاءت منها الصرخة. وعندما وصلوا، وجدوا أن معظم الأشخاص في هذا الطابق قد تجمعوا هناك. بدا الجميع في حالة من الذهول، وجوههم شاحبة وكأن أرواحهم قد سُحبت منهم.

قالت ليان بصوت متوتر، "مابكم؟ لماذا تقفون هكذا؟" لكن لم يرد أحد، وكان يبدو أنهم لم يسمعوها حتى. استدارت ليان لتكتشف ما الذي ينظرون إليه، وأصابها الذهول عندما وجدت نفسها مشلولة من هول المنظر.

كانت هناك فتاة، مغطاة بالدماء، مُثبتة على الحائط بواسطة شعرمدبب  كان يخرج من أطرافها الأربعة ومنتصف جبهتها. كانت الدماء تغطي كامل الغرفة، مما جعل من الصعب تصور كيف يمكن أن يكون هذا الكم من الدماء قد خرج من تلك الفتاة الضعيفة.

فوجئت ليان بما رأته، حيث كان من غير الممكن تفسير كيف يمكن للشعر أن يعمل كمسامير. كان المشهد مرعبًا، وتجلى ذلك في ردة فعل الموجودين حولها. بدأت صرخاتهم بالارتفاع، وبدأ البعض في الاستفراغ، بينما أغمي على آخرين من الصدمة. لم يكن هذا المفاجئ، حتى شين لي كان يستفرغ على جانب الغرفة، بينما لم يتغير تعبير لين يو كثيرًا، لكنه لم يكن في حالة مريحة بأي حال.

كانت ليان ترتجف بشدة، وبدأت قدماها في الارتخاء بشكل خطير. كانت على وشك السقوط لولا أن أمسك لين يو بكتفها بسرعة، مانعًا إياها من الانهيار.

لم يعتقد لين يو أن الاستمرار في البقاء هنا سيكون مفيدًا، لذا قرر سحب شين لي وليان والنزول بهم إلى الطابق الأول. بدا أن الآخرين يشاركونه الرأي، فتبعوه إلى الطابق الأول حيث اجتمعوا جميعًا في صمت عميق. مرّت عشر دقائق وكأنها ساعات، دون أن ينبس أحد بكلمة، حتى قطع لين يو الصمت قائلاً، "يبدو أن هذه الجولة أرادت أن تترك بصمتها."

تحدث شياو تشينج بصوت خافت لكنه مليء بالتفكير العميق، "على ما يبدو، لأن الوقت لم يكن كافيًا لأي شخص لكسر شروط الموت".

سأل شين لي، وهو يعاني من ارتباك واضح، "ماذا تعني بشروط الموت؟"

أجاب لين يو، "رغم قسوة اللعبة، إلا أنها لا تقتل بشكل عشوائي. من يكسر المحرمات أو شروط الموت هو من يواجه الموت. ولكن في بعض الأحيان، تقتل اللعبة في أول ليلة بدون أي شروط، ربما لتُعرّف نفسها أو لتهز عقلية اللاعبين. وهذا ما حدث للتو."

عاد الصمت ليخيم على الجميع، وكأنهم لم يتعافوا بعد من صدمة ما رأوه. كانت الأجواء ثقيلة، وبدت الصدمة واضحة على وجوههم، حيث ظلوا في حالة من الذهول والتفكير العميق.

في تلك اللحظات المليئة بالذهول، كانت ليان هادئة تمامًا، كأنها معزولة عن كل ما حولها. بدا واضحًا أنها غارقة في أفكارها الخاصة، تواجه صدمة عميقة لا يمكن التعبير عنها بالكلمات.

في داخل ذهنها، كان هناك شعور ثقيل وكئيب يثقل على قلبها، كأنما تلقت ضربة قاسية من الواقع نفسه. كان من الواضح أنها تكافح لفهم ما يحدث، حيث تأكدت مخاوفها الأكثر عمقًا وحلكة. 'أعتقد أنه مفيش هروب من الواقع أكتر كدا،' فكرت ليان في نفسها، 'على ما يبدو، روايتي المفضلة بتتحقق في الواقع.'

كانت الصدمة كبيرة على ليان لدرجة أنها بدأت في مراجعة تفاصيل الرواية التي طالما قرأتها بفضول، وتذكرت الأسماء التي تردد صداها في ذهنها: 'لين يو، وشين لي.' الأسماء التي عرفتها من صفحات الرواية، حيث كانت أبطالها. وحينما رأت الفتاة التي ماتت، أدركت أنها لم تكن مجرد خيال، بل كانت نسخة حقيقية من الروايه.

مع كل تفصيل وصفته الرواية حول موت تلك الفتاة، عادت ليان إلى ذكرياتها حول كيف أن الموت تم تصويره بدقة، وتساءلت عن الفرق بين الوصف والواقع. 'كان لازم اعرف من البدايه' فكرت بمرارة، 'لكن مرضتش حتى في التفكير في احتمال أن ده يحصل.'

تلك الفجوة بين خيال الرواية وواقع الكابوس الذي تعيشه الآن كان لا يُحتمل. كان الوصف في الرواية لا يُقارن بما تراه عينيها؛ فالصورة التي تراها أمامها الآن هي تجسيد حي للرعب الذي لم يكن بإمكانها تخيله حتى في أحلك كوابيسها.

وفي خضم هذا الشعور الثقيل، كانت ليان تتنفس بعمق، وكأنها تحاول تخفيف ثقل الواقع الذي يسحقها. كان ذهنها يتدفق بالأفكار المتضاربة، وشعرت وكأن كل جزء منها، من قلبها إلى عقلها، يثقل تحت وطأة الصدمة.

"لين"، نادى شين لي بقلق، وقد بدا كأنه يعتقد أن ليان قد تكون غارقة في أفكارها المظلمة لدرجة أنها لا تستطيع التعامل مع الواقع. نظرت ليان إليه برفق، فتأمل شين لي وجهها وكرر السؤال: "هل أنت بخير؟"

ردت ليان بصوت مبحوح، غير متأكدة من قدرتها على إخفاء مشاعرها تمامًا، "أنا بخير، شكرًا لقلقك."

فجأة، تدخل لين يو قائلاً بلهجة غير مبالية، "أنا جائع."

تجمدت الأنظار على لين يو وكأنهم يودون أن يسألوه، "هل يمكنك حقًا التفكير في الطعام في هذا الوضع؟" لكن ليان وشين لي كانا قد تأقلموا مع شخصية لين يو الغريبة بشكل سريع، فلم يبدوا مندهشين كما توقع الآخرون.

رد شين لي بابتسامة خفيفة على وجهه، وكأنه تعود على تصرفات لين يو، "حسنًا، سأعد لك معكرونة. ماذا عنكِ، لين؟"

أجابت ليان، وهي تشعر بالارتياح البسيط من مجرد التفكير في شيء طبيعي مثل الطعام، "حسنًا، أنا أيضًا، من فضلك." لم تكن ليان قد تناولت وجبة جيدة منذ الأمس، ووجدت في طلب الطعام فرصة لتخفيف التوتر، بالإضافة إلى أنها شعرت بالامتنان لوجود شخص مثل شين لي الذي يجيد الطهي في هذا الوقت العصيب.

بينما كانت مشاعرهم تتقلب من الرعب إلى الاستعادة النفسية، بدا أن تحضير وجبة دافئة كان بمثابة استراحة صغيرة من الكابوس الذي كانوا يعيشونه، وإن كان ذلك مجرد تذكير آخر بالطبيعة الغريبة لموقفهم الحالي. 



الموت الحتميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن