52_ عودة الغائب

4.6K 273 83
                                    


استلقت الي جانبه يفترشان معا عشب الحديقة الاخضر و تظللهما سماء لامعة بملايين النجوم ... و قد توسدت ذراعه بينما اصابعه تداعب فروة رأسها تماما كما اعتادت منه ....

نهضت فجأة و فتحت ذراعيها علي وسعهما و كأنها تريد ان تأخذ الكون برحابته بينهما ... مغمضة عيناها و هي تستنشق هواء الليل المنعش المحمل برائحة زهور الفريزيا الصغيرة التي تملأ الحديقة من حولهما ... و قد تألقت الاوراق الخضراء تحت ضوء القمر الشاحب .

كان فستانها القصير الرقيق المظهر بألوانه المموجة المتداخلة .... بألوان السماء برماديتها و زرقتها يتطاير حول ساقيها بفعل نسمة خفيفة تسللت اليها في ذاك الجو الحار ... اما عن شعرها ... ذاك الليل الاسود فقد عجزت رابطة شعرها علي احتواء نعومته فانطلق هو الاخر متطايرا حول رأسها .

كان لازال مستلقيا متوسدا ذراعه الاخر و هو يراقبها بابتسامة ... فبادلته ابتسامته بخجل ... ثم رفعت رأسها ناظرة للسماء ... و هي تشير بيدها الي احدي النجمات قائلة :

" أتري تلك النجمة هناك ؟ "

التفت ليري إلام تشير ... و لكنه لم يرد عليها بل هز رأسه موافقا و هو يغادر مكانه ليقف الي جانبها محاوطا خصرها بذراعه ... فتابعت قائلة :

" انا و هي متشابهتان "

اتسعت ابتسامته و استدار لينظر لعمق عيناها قائلا بهمس :

" ظلمتي تلك النجمة بتشبيهك ... "

ضحكت و هي تقول :

" لهذه الدرجة ؟ "

رد بنفس الهمس قائلا :

" و اكثر ... الا تعلمين انك اجمل منها كثيرا ؟ ... "

" لم اقصد من هذه الناحية ايها المتملق ... ما قصدته ان كلانا يصارع الموت "

قالت ذلك بخفوت حزين .... فأدارها لتواجهه و هو ينظر اليها و قد انعقد حاجباه بعدم فهم ... ثم سألها ذاك السؤال الذي نطقت به ملامحه قبل لسانه :

" ماذا تقصدين ؟ "

" الا تعلم انني اموت ؟ ... كذلك هي ايضا "

" لا تكوني متوهمة .. ستكونين بخير ... كما ان النجوم لا تموت ... "

" و من قال لك ان النجوم لا تموت ... كل شيئ مصيره للموت ... الا تعلم ذلك ؟ "

" و ما ادراكِ انها تحتضر كما تقولين ؟ ... انتِ ستكونين بخير ... فقط توقفي عن قول ذلك "

" انه واضح للعيان ... ضوئها الاحمر دليل علي قرب احتضارها ... فهكذا هي النجوم يخبو ضوئها قبل ان تموت ... انظر مثلا لتلك الصغيرة المتألقة ذات الضوء الازرق ... هناك ... انها تتألق ببريق خاص ..."

قالت ذلك و هي تشير لنجمة اخري ... ثم تابعت :

" الم تلاحظ الي الان ان شعلة الحياة بداخلي بدأت تخبو شيئا فشيئا ؟ ... لقد فقدت بريقي تماما كتلك النجمة و ان عاجلا ام اجلا لن اكون هنا "

تانجو  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن