خياريّن لا ثالث بينهما

33K 1.1K 203
                                        

تجلس على كرسيها، تميل بيدها وترسم باحتراف، كل خط وكل بقعة وكل بصمة تضعها على تلك الرسمة باحترافية، أصبحت تشغل نفسها بالرسم والألوان، عل وعسى أن تتلون حياتها مثلما تلون رسماتها باحترافية وإتقان، تكاد تجن لإنها لم تستطع أن ترسم شيئاً غيره، لا يوجد شيء في ذاكرتها سواه، والأدهى من ذلك كلما رسمت رسمة وانتهت منها تجد بأنها رسمته بوضعية مختلفة ولكن بنفس النظرة العابثة والحاجبين المعقودين، تموت شوقاً له وتعاني من بعده ولكن هو من اختار الرحيل، تحملت الكثير والكثير وقد نفذت قواها، أنهت رسمتها لتتنهد بعد أن رأت الرسمة، تأملتها مطولاً وابتسمت ابتسامة من قلبها، لإنها رسمته وهو يرتدي بذلة رسمية وكأنه في يوم زفافه، ظلت شاردة برسمتها مدة طويلة لتنتبه لنفسها وتعود لعيناها نظرة الحزن.
شعرت بالملل من المنزل لتنهض وتغير ثيابها لتخرج للتنزه قليلاً، خرجت من المنزل وهي تتجول بأرجاء المدينة، تكتشف كل شيء، طبعاً لن ننسى الحارسان اللذان يمشيان خلفها حرصاً على سلامتها، وبناءً على أوامر آسر، تمشي غير مبالية لأحد، فقط تنظر للمحلات التجارية وتكتشفها وتتجول بأرجاءها، تمشي والهواء يلفح وجهها وتتطاير خصلاتها البندقية لتعطيها مظهراً جذاب، وقفت تنظر للبحر بشرود، وترى مدى جماله وروعته، تنهدت بحزن و هبطت دموعها على وجنتها عندما تذكرت أيامها مع صديقة دربها، ابتسمت من بين دموعها عندما تذكرت مواقفهم المضحكة سوياً، اشتاقت لها ولجنونها، اشتاقت لوالديها ولأخوتها، اشتاقت لمعذبها والذي أسر قلبها، هي لا تريده فقط تريد قلبها الذي تركته معه، حائرة، ضائعة، شاردة، حزينة، لا تعلم ماذا تصنع، تريد الذهاب لوالديها ولكنها خائفة، خائفة بأن يرميانها بالباطل ولا يصدقانها، والأهم خائفة من أن تقابل زوجها السابق ويقتلها، لقد فاتها الكثير ولا تعلم بالأحداث التي مضت.
قررت أن تعود أدراجها إلى المنزل، دخلت إلى المنزل وجلست على الأريكة بإهمال، جلبت دفتر مذكراتها لتكتب مايجول في خاطرها:

" كَم يحرُقني شوقَ الابتعاد
أُحاولُ أن أُخمدهُ ولكني أخسر
أُحاول جاهدة أن أُطمأنَ نفسي
بأنَّ اللقاءَ باتَ قريباً أكثر فأكثر
ولكن ماالذي بوسعي فِعلهُ
فإن نسيتهُ أعودُ وبسرعة أتذكر
هيا لا تتأخر وعُد لي بسرعة
فأنتَ الوحيد الذي يجعلُني من قيودي أتحرر
فا بِوجودكَ ياسندي أُصبح قويةً
وإن غُبتَ فا سُرعانَ ما أتكسر "

أغلقت الدفتر وتنهدت بقوة وقد أثرت عليها هذه الكتابات بشكلٍ سلبي، فكرت بينها وبين نفسها هل تهاتفه أم لا؟ ولكنها لاتملك رقمه، كيف ستصل إليه، نهضت لتخرج إلى حديقة المنزل وتحدث الحارس:

"عذراً هل بإمكانك إعطائي رقم هاتف السيد آسر؟ أريد أن أهاتفه لأمرٍ مهم"

تحدث الحارس برسمية:
"آنستي قولي لي ما الأمر وأنا أحدثه، لا أستطيع أن أعطيكِ رقمه"

لأجلكِ أنتِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن