في منزل آسر
يجلس في صالة المنزل الكبيرة بهدوء وبيده سيجارته التي تعانق شفتيه بين حين وآخر، ينظر للفراغ شارد الذهن يفكر في حياته التي يعيشها بعيداً عن والداه اللذان تركانه وحيداً غير آبهان بحاله، كيف لرجل وامرأة لايملكان سوى ولد واحد بأن يتركانه وحده؟ كيف لهما أن يتخليان عنه؟ لماذا؟ لم يستطع الإجابة على أسئلته التي تدور في رأسه، ولم يجد لهم أي عذر لهما أبداً بتركهما له وحيداً، وهذا ما جعل حقده يزيد في قلبه تجاه والديه، تركاه شاب بعمر التاسعة عشر عندما قرر بأن يتطوع بالكلية الحربية، كان يحلم بأن يكون أكبر ضابط، يحب زي العساكر ويطمح أن يصبح مثلهم، رفض والداه هذا الشيء ولكنه أصر على قراره وظل على عناده إلى أن تطوع بالكلية الحربية وذهب مع مجموعة من الشبان برفقة ابن عمه يوسف إلى التدريب والاختبارات لمدة ثلاثة أشهر، عندما عاد لم يجد والداه في البيت، تخليا عنه وسلماه زمام الأمور لنفسه، تركاه وحيداً فقط لإنه أراد تحقيق حلمه، عندما رحلا وجد آسر في غرفته رسالة من أبيه وكان محتواها:"بني آسر لا أعلم ما الذي أقوله لك ولكنني لست راضٍ عن قرارك هذا ولا أريدك أن تصبح من الضباط، كنت أحلم بأن أربي ولدي الوحيد ليصبح مثل أبيه ناجح ومتفوق بعمله لتدير أمور شركاتي من بعدي، ولكنك حطمت جميع آمالي بك، لذلك هذا سوف يكون عقابك ياولدي، سوف تحرم منا أنا ووالدتك إلى أن تتراجع عن قرارك وتترك عملك لتكمل دراستك وتدير الشركات برفقتي وبرفقة ابن عمك، وإذا أصريت على قرارك اعلم جيداً بأنك لن ترانا أبداً، وسوف تخرج من المنزل ولن تحصل على الميراث، سوف أتبرع بجميع أموالي عند موتي، لذلك يابني سوف أنتظر قرارك الحاسم إما كل شيء أو لا شيء، فكر ملياً بحكمة وستعلم بأنني لا أريد سوى مصلحتك لإنك ولدي الوحيد، واعلم جيداً بأنك لم ولن تنجح في هذا العمل طيلة حياتك إذا استمريت فيه، وسوف يأتي وقت عليك لن يكون بيدك حيلة سوى اللجوء إلي وطلب العفو والسماح، أنا أعلم جيداً بأنك ستفشل في هذه المهمة ولن تنجح لذلك لاتعاندني وتخلى عن هذه الأحلام المزيفة ولا تخسر والداك، وإذا أصريت على قرارك أخرج من المنزل ولا تعود ثانية"
هل هناك أحد يشعر بما يشعر به آسر الآن؟ والسؤال الأقوى هل يوجد والدان بهذا الشكل؟ لماذا يمنعانه عن تحقيق حلمه؟ لماذا لايدعمانه في قراره؟ لماذا لايقفان بجانب ولدهما الوحيد؟ في تلك الأثناء أصر آسر على قراره أكثر من ذي قبل وخرج من المنزل نهائياً وذهب للعيش مع ابن عمه يوسف الذي رحب به أشد الترحيب وكانا كالأخوة مع بعضهما وكبرت ماريا بينهما لتعلم بأن لديها أخان وليس أخ واحد لذلك كانت تعتبر آسر كأخيها أيضاً، واستمر آسر في عمله مع الكتيبة وأكمل دراسته وتخرج من إدارة الأعمال التي دخلها نظراً لتلبية رغبة أبيه في ذلك، ولكنه ظل مع الكتيبة إلى أن أثبت نفسه وأصبح أكبر ضابط في البلاد من بعدها أصبح يعمل مع المخابرات أيضاً، لم يكتفي في حلمه فقط، أراد أن يثبت أكثر من ذلك ويفاجئ أبيه الذي استهزء به وقلل من شأنه، لذلك كان أكثر إصراراً على قراره ولم يتراجع عنه، إلى أن أصبح آسر شيئاً كبيراً في حياته وحياة الآخرين، حرمانه من أبيه وأمه أثر على شخصيته كثيراً فهو حتى وإن كان بارد وعصبي كان أيضاً طيب القلب ومحب ومرح، ولكن الآن لا يهمه في هذه الدنيا سوى عمله، لم يأبه بحال أبيه عندما علم بأنه في المستشفى ولم يسأل عنه، أصبحت والدته في الفترة الأخيرة تحاول مهاتفته ولكنه كان لايعيرها أي اهتمام ولا يكلف نفسه في الحديث معها، الآن وبعد عشر سنوات من الفراق والهجران لولدهم الوحيد شعرا بالذنب والندم، أرادا أن يعود آسر إليهما ولن يهمهما ماهو عمله سوف يتقبلان ولدهما بجميع أحواله ولكنه رفض ولم يعترف عليهما بل قسي عليهما بالكلام ومن ضمنه بأنه نادم على أنه جاء من صلب أبيه غير ذلك اعتبر نفسه يتيم الأبوين.
لم يعلم كم ظل من الوقت شارد الذهن ليقطع شروده إحدى حراسه بطلب إذنه بدخول يوسف له ليسمح له بالدخول، دخل يوسف إليه بابتسامته الواسعة التي لاتفارق ثغره أبداً ليبتسم آسر بسخرية على حال صديقه المعتوه الذي اطلق عليه هذا اللقب منذ زمن، ألقى يوسف التحية على صديقه ليجلس بجانبه ويقول:
أنت تقرأ
لأجلكِ أنتِ
Romanceحياتي كانت عبارة عن قسوة وجبروت .. لم أكن أعلم بأنَ تلكَ الفتاة ستُغير مجرى حياتي وتقلُبها رأساً على عقب .. أقسمتُ على عدم الحب ولكن هي فعلت المستحيل ووقعتُ في شباكها وأحببتها .. اعترضت دربي وصوبت حُسنها على قلبي لذلك استسلمتُ وأحببتُها .. لأجلكِ...