النهاية

51.9K 1.3K 336
                                        

بعد مرور أربعة سنوات:
يخرح ذاك الشاب، يرى النور ويرى الشمس، يأخذ نفساً عميقاً مستمتع بحريته، ولكن خرج ولا يعلم إلى أين ينتمي ولمن ينتمي، ليس له أحد، تخلا الجميع عنه، أو بالأصح هو من تخلى عنهم لإنهم لم يصلحون له، يفكر بينه وبين نفسه، أضغاث زمن هاربة من سجن الزمن، صوته مخنوق بين قضبان ذاته، وتنهدات روحه وصفعة الأيام على أعتاب قلبه، لا يمكنه الكلام، فصوته ضاع بين الزحام، قلبه الآن أضحى غابة محترقة تماماً، لم ينجو منها سوى أشباح الماضي، الساعة تدق في داخله الآن، وساعة الحائط غير موجودة، وساعة يده مركونة على الرف، وساعة الزمن تدور لتعلن أن الوقت قد انتهى في الماضي، تعطلت ساعته الوحيدة لنفاذ بطارية التشغيل مع أول يوم سجن فيه، وكبلت يداه السلاسل لتكبل معها مصير حياته، ومستقبل أيامه التي بقيت من الماضي، وأضحى الماضي هو الحاضر والمستقبل بعد الإفراج عنه.
الماضي لدى محكمة الجنايات الكبرى للزمن، يتربص لحظة تنفيذ الإعدام لكل شيء، لكل الأحلام الوردية، الماضي قاضي ظالم، وحاكم ظالم، وبشر ظالم، وزمن ظالم، ومجتمع ظالم بالنسبة له، الماضي ابتسامة صفراء تسللت إلى شفاه ممنوع عليها الكسب الحرام في زمن الحرام، الماضي بكارة قلب فضت باسم الشرف بزمن اللاشرف، الماضي طلقة نارية طائشة من سلاح غير مرخص يصيب الهدف من أول مرة، الماضي قاتل غير مستفيد من أسباب التبرير في قانون عقوبات يرفض الجريمة في زمن الجريمة والإرهاب.
هل سيجد مآواه بعد خروجه من السجن؟ وإن لم يجد من يئويه سيعود لقضبان السجن في عزلته ووحدته وهذا سيكون أفضل بالنسبة له، لقد ظلم وظُلم، قتل نفس بغير حق ونال جزائه، خرج بعد أربع سنوات من عذاب وشقاء السجن، حكم بسبع سنوات ولكن نظراً لحسن سلوكه وتوبته الصادقة أصدروا عفواً وقد شمله لبداية حياة جديدة وأشخاص جديدة، تاركاً الماضي خلفه ورامياً كل شيء وراء ظهره.
تنهد بقوة متجهاً إلى منزله، لم يمضي وقت طويل ليصل إلى منزله الذي هجره منذ أربع سنوات ونصف تقريباً، دخل ليراه مظلم وهادئ، شعر بوهلة منه، لم يحبه ولم يطيقه، دخل إلى غرفته التي كان يمكث فيها، ما إن دخل حتى تذكرها وتذكر رائحتها التي تغلغل في كيانه، هبطت دموعه دون سابق إنذار، يتمنى لو أن يعود الزمان للوراء لكان أفضل وأحسن من ماهو عليه ولم يكن ليخسرها، مازال يحبها ولكنه اقتنع بأنها ليست له، مسح دموعه بباطن كفه ليبدأ ويتلمس صورتها التي ظلت معه منذ أن رحلت عنه، يتأملها ويتأمل براءتها، يفكر هل تزوجت أم أنها مازالت عزباء؟ هل كلفت وأصبح لديها رجل تسلمه جسدها بكل حب؟ وهذا الرجل هنا يحترق من داخله، ابتسم بسخرية على تفكيره الساذج، تنهد بعمق ونظرة البرود تحيطه، قرر الابتعاد ولم يعد يريد المكوث هنا، سيسافر ويترك كل شيء، سيبدأ حياة جديدة بعيداً عن كل وجع وكل حزن، نهض ليرتب أموره وهو عازماً على السفر دون عودة.

-------

في المساء بعد أن رتب جميع أموره وحجز بالطائرة المتوجهة إلى تركيا حصراً، يتنهد بعمق، قلبه يدق بسرعة، يريد الابتعاد والطمأنينة، لا يريد شيئاً سوى راحة البال، حزم أمتعته وخرج لينتظر سيارة أجرة تنقله إلى المطار، بينما كانت من الجهة الأخرى فتاة تنتظر سيارة أجرة أيضاً، لتأتي سيارة أجرة ويهم الشاب والفتاة بالركوب بالسيارة سوياً، نظر لها عاقد الحاجبين باستغراب وهي كذلك ليقول:

لأجلكِ أنتِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن