"ها أنا.. أجلس بين أشخاص لا أعرفهم.. أعانق وحدتي.. أحبها وأعشقها.. لا زلت لا أجد إجابة لذلك السؤال الذي لطالما جعلني أحيا في حيرة من أمري.. ذلك السؤال الذي قد آكل ثنايا عقلي لسنوات.. من أنا؟ أأنا تلك الشخصية الضعيفة؟ هل أنا تلك المسيطرة التي تكره القيود؟ هل أنا مسالمة أم أتلذذ بالعراك؟ متمردة أم أتقبل الآوامر وكأنني أنتظر من يوجهني؟
هل سئمت دنيتك يوماً مثلي وأنت تبحث عن إجابة لسؤالٍ بسيط، كلمتان ليس لهما ثالث! خمسة أحرف ملئتني خوفاً وحيرة بل وملئتني عناداً وتمرداً ووعياً.. من أنا؟
أأنا تلك الصغيرة التي تود أن تقطع تلك المسافات لأرتمي بعناق من أحبهم حتى يرشدونني، أم أنا تلك اليافعة اليقظة الواعية لكل قرارٍ وكل تصرف؟
لقد أكتظت تلك الأوراق بدفتري الذي سابقه العديد من الدفاتر التي لا يعلم عنها أحد.. ولا زال السؤال يتكرر بكل ورقة، ستجده بين طيات السطور، حبر قلمي يرسمه بتلك الأحرف الخمسة كل يوم.. من أنا؟ من أنا؟ من أنا؟!
ابتسامتي المشرقة، وملامحي العابسة.. تلك الحقوق التي لا أنفك أدافع عنها كمحامية ثبورة.. وحالة اللامبالاة التي تتخلنني عندما أغادر متحدثة بعقلي "وما شأني أنا!".. من أنا حقاً؟
ها أنا الفارس المغوار بساحة القتال! لا تسخر من سيفي الذي سيباغتك لتلقي حتفك في ثوانٍ! لا تتهكم بوحدتي بذلك البرد القارص فأنت لم تراني بعد وأنا ألتقط أنفاسي بصعوبة بين ضحكاتي مع أصدقائي وعائلتي.. لا تنظر لي هكذا حتى لا أتركك، فتلك النظرة بعيناك أيها الغريب قد تجعلني أغادرك دون أن أنهي قصة حياتي البائسة التي أمتلئت بالضحكات والأفراح، أنت تجعلني أشعر أنك لا تريدني أن أمكث معك أيها الدفتر الأسود.. فلتعطيني فرصة حتى أُكمل!
أوتعلم يا ذا السطور التي لا تُشبع حاجتي من أنا؟ أنا من لم يخلق بعد من يكسرني، من يُملي علي آوامر لا تنتهي، أنا ذات الكبرياء اللاذع الذي جعلني أخسر الكثير ولكنه يسري بدمائي، أنا من لا أكترث بوجودك أو عدمك، أنا أفعل ذلك بالبشر، أتظن أنني سأكترث لك؟ أجلس معي حتى أنتهي منك أولاً!!
ألم تعرف بعد من أنا؟ أنا التي سهرت ليالٍ طويلة أكتب بدموعي قبل قلمي تلك الحروف بك وأرسمها على سطورك بإتقان، ولكن أتعلم أنني أستطيع أن ألقيك هنا بنهر شبريه حتى أتخلص من تلك السطور الفارغة التي تنظر لي بها!! أنا قد أقتلع قلبي بيدي إذا آلمني أكثر من اللازم، كما أن حياتي لن تتوقف عليك إذا كنت مصراً أن ترمقني بتلك النظرات المفجعة!!
فألزم حركة أوراقك بين يدي ولا تدع تلك النسمات تقلب أوراقك فأنا لن أتركك قبل أن أنتهي منك!!
عزيزي الغريب، مرافقي الوحيد في رحلتي الكئيبة، أنت يا ذو النظرات القاتلة الفارغة من صوت مسموع يخفف عني، ألن تجيب سؤالي؟ ألن تخبرني من أنا؟
لقد رأيت تلك القوة الضارية بداخلي وخارجي، ولقد لمست ضعفي كلما أقتربت من الإعجاب بذلك الرجل يوم الثلاثاء الماضي، لقد رأيتني وأنا أمرح مع أصدقائي أمس بعطلة نهاية الأسبوع ولكن لما أنا الآن أعتذرت لهم وفضلت البقاء بجانبك هنا، ألا يُخبرك ذلك شيئاً عني، ألم تستطع معرفة من أنا؟
أنا لا أكترث أن يرى الناس تلك العبارات بقلمي وخطي، أكره الإختباء، كما أنني أريد التدثر بتلك الأوراق علّها تصرخ بي ولو مرة واحدة حتى تخبرني من أنا!
يكفي لقد أُرهقت اليوم منك ومني.. لتنتبه فنحن على موعد معاً غداً.. لربما سنعرف سوياً من أنا!!"
وصدت دفترها الأسود الذي ظنت أنه يشابه قلبها ثم وضعت القلم واياه باحدى جيبي معطفها الأسود الضخم ذو تلك الرقعات التي كست أسفلها ببضع قماشات رمادية اللون وجذبت من جيبها الآخر قداحتها وعلبة سجائرها ثم أشعلت واحدة منها ونفثت دخانها بأنوثة طاغية وهي تعيد العلبة والقداحة لجيبها ثم تركت تلك النسمات تتخلل شعرها الذي لطالما حافظت على تقصيره قبل كتفيها بقليل وتلوينه بالسواد القاتم وأطبقت جفنيها لتداري تلك الزرقاواتان وهي تتمنى بداخلها أن تنتهي من ذلك التضاد والتشرد النفسي بداخلها وهذان الجانبان اللذان يجذباها في آن واحد لليمين ولليسار لتسمع هاتفها يصدح بالرنين لترى أسم والدتها فعقدت حاجبيها وهي تظن أنها ستفتعل معها عراك جديد ولكنها لم تعد تخشى مواجهتها بعد الآن!
"آلو!" همست بنبرة حازمة
"أيوة يا زينة.. تعالي على أول طيارة.. سيف مات!"
![](https://img.wattpad.com/cover/198782419-288-k37559.jpg)
أنت تقرأ
دجى الليل الجزء الثاني - عتمة الزينة كاملة
Romanceفتاة حكم عليها من قبل الجميع وخاصة والدتها لتدخل بحالة نفسية تؤثر على كل شيء بحياتها؛ ما بين الإزدواجية وبين التضاد تقرر التمرد على الجميع.. ووسط كل ذلك تُعجب بإثنان.. ابن خالها وابن عمها! كيف ستختار وهي لطالما سألت نفسها "من أنا؟" الجزء الثاني من ر...