خرجت من مهجع الحراس تحكم امساك رداءها حولها لمّا هاجمتها رياح عاتية، واستنادا على تعابيرها الباردة فإن معنوياتها تعانق الأرض رغم أن ليو تحسن وبات أفضل حالا، ولعل هذا راجع إلى المشهد الذي يأبى مغادرة عقلها، وبسببه كبرياءها ينتحب باستمرار .
مر يومين على تلك الحادثة، وشارلوت كثيرا ما زارت ليو مطمئنة على حاله، وتجهل إن فعلت هذا اهتماما صادقا، أو حتى تسكت ضميرها وتقضي على أي ذرة ندم قد تطغى ! أحيانا تجلب له الطعام وتتمادى في اهتمامها الفائق مطعمة إيّاه بنفسها، ولسبب ما لم تعد تأبه بالإشاعات، لقد كادت تفقده والآن علمت أن الابتعاد عنه في سبيل حمايته فكرة لا تسبب سوى الألم، لاسيما إن اختفى فجأة دون أن تكون له ذكريات جيدة معه .
إن كان شخص بتلك الأهمية عندها فلما تخفي اهتمامها خوفًا أو اصطناعا، يبدو الأمر نفاقا واضحًا وغباء في حد ذاته، حين تضع ليو في كفة والإشاعات المنتشرة فإنه لمن الواضح من سوف يحصل على وزن أثقل .
واصلت السير بهدوء لولا أن صورة طفت في مخيلتها وملامحها تعكرت بتلقائية، ربما الابتعاد مجددا لن تفسره سوى أفكار الدوق المضطربة وسلوكياته المجنونة، ماذا إن استغل ليو بالفعل ليلوي يدها ويلقي تهديده ؟
ضاقت دواخلها، وتابعت مد الخطوات غارقة في موج أفكارها المتضاربة، هل يجب الابتعاد عنه فور تعافيه بشكل تام ! أو يجب أن تشاركه صناعة ذكريات سعيدة والوقت يمضي ؟
رأسها المنزل كان يعج بالأفكار؛ تلك التي تخص القادم، ثم ماذا عن الكونت، الماركيز والدوق، العم بيتر والبقية ! من المؤكد أن لكل واحد منهم دوره في هذه المسرحية، ولكن كيف تستطيع حلّ هذا ؟ وأي سر ذاك الذي قد ينسل من ظلمة الليل ويبرز قريبا مع شروق الشمس ! ماذا لو كان صادما ومؤذيا لأحاسيسها كما حدث مع حقيقة الكونت ؟
" على ماذا تنوين ؟"
صوت بارد لا يشي بأي مشاعر وُجه نحوها ونجح في سحبها من زنزانة تفكيرها .
قذفت عينيها جانبا نحو المصدر فأبصرت ألكسندر على بعد خطوات منها، وليست تعلم إن كانت صدفة أو أنه كان ينتظرها مع نيّة مسبقة .
أمعنت النظر به، وهذا استغرق دقائق تكاد تكون طويلة بصرف النظر عن كونه تصرفا عفويا . استعادت تركيزها حين شاهدته يسير نحوها إلى أن بات يقف بجوارها .. كمن يلمح إلى بداية حديث طويل، وشارلوت التي بلغت المغزى مدت أول خطوة لها وهو فعل نفس الأمر وزامن خطواتهما .
" ألا تخافين ؟"
استفسر بعد صمت بسيط، وهذه المرة بادرت بالرد على نقيض الأولى .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Historical Fictionتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...