اللّيل لا يزال في بدايته والقصر على جوّه الكئيب يسبب الإختناق .
العائلة الحاكمة تمتنع عن تناول الطعام ولا رغبة لهم . كارولين وبعد معاودة الأمر لمرتين أمرت بعدم وضع الطاولة مجددًا إلى أن يلقي الماركيز بأمرٍ مناف .
شارلوت كانت في سريرها تتقلّب دون فائدة، النعاس يصرّ بكل وقاحةٍ على هجرها في وقت حساسٍ مثل هذا، وأحداث اليوم تتكرّر في ذهنها ! لقد كان يومًا مليئا بالمشاهد، وكلما تذكرت موقف ألكسندر شعرت بالحبور يجتاح قلبها .
ابتسمت لاشعوريًا، وفجأةً سقط نظرها على الكتاب بجوار رأسها وغرقت في تأمّله، كما تزاحمت ذكرياتٌ لطيفة في المقابل . كيف تلت على مسامعه روايةً لها وبشكل مباغت شعرت بفؤادها سقط حين كانت صورته وهو نائمٌ بسلامٍ تستقر نصب عينيها، لقد بدا آنذاك مثل طفلٍ صغير لا همّ له سوى الإستيقاظ غدًا واللعب أكثر من اليوم المنصرم ..
زمّت شفتيها تحاول أن تتخطّى الغصة في حلقها وقد تعكر مزاجها حالما تذكرت المغادرة، ويا له من أمر يؤرّقها ويستهلك طاقتها !
ابتسمت بمرارةٍ تقنع نفسها أن الأمور سوف تكون بخير، إنه مجرد وقتٍ وسوف يمضي بالتأكيد .
اعتدلت جالسةً بينما زفرّت بقوةٍ في محاولة جادة للتخلص من العبء والحصول على معنوياتٍ أفضل، ولم تكن تعلم أن ذلك ينفع إلّا بعد أن طرقت فكرةٌ ما خلدها وسرعان ما نمت ابتسامةٌ على شفتيها لم يستطع مزاجها الفوز ضدّها .
لم تضيّع المزيد من الوقت وهرعت إلى فستانها البسيط بلونٍ أزرق ليلي ترتديه من جديد، وبعدها حملت كتابها تقصد جناح الماركيز وهي تمني نفسها بأنه آخر لقاءٍ ولا ضير من أن تفعل هذا للمرّة الأخيرة؛ قراءة مقطعٍ له وإشباع ناظريها بهيئته المسالمة .
شارلوت حتمًا نسيت ما قرّرته هذا الصباح، لقد اعتقدت أنها حزمت قرارها بشأن الرحيل وهي تؤمن أن هذا هو الحل الأمثل للتخلّص من المشاعر الموجّهة نحوه .. ما الذي حدث ؟
الجو كان باردًا جدا، وهي من شدّة عجلتها نسيت رداءها واستمرت بالمشي بينما تحتضن نفسها بشكلٍ يدعو إلى حضنٍ دافئ .
وقفت أمام بابه ولولهةٍ قررت أن تعود أدراجها وقد وعت أن ما تفعله إثمٌ عظيم، وحتى نظرة الحارسين لا تساعد في دحض هذه الفكرة !
هزّت رأسها وقد استغرقت بعض الوقت في الحملقة بالباب دون هدف، مجرّد سهوةٍ مع معالجة للأفكار في نيّة لإختيار قرارٍ ينهي هذه المسألة والآن .
استدارت نصف استدارة، ولكنّها توقفت تمعن نظرها بالأرض وتفكّر من جهةٍ أخرى في ما يتعلّق بالصلح ورسم مشهد أخيرٍ لطيف، لما يجدر بالماركيز أن يكون استثناءً ؟ لقد كانت هذه حجّة مقنعة !
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Historical Fictionتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...