يوم كامل مرّ على اللحظة التي أجبرت فيها شارلوت على تذوق الحقيقة المرّة بكمية خرافية ! إن عقاب الماركيز حقا يبدو لاشيء مقارنة مع ما أدركته .
آنذاك فقدت القدرة على الكلام والتزمت الصمت مدة طويلة، الهدوء كان ما تبديه ظاهريا ولكن دواخلها عجت بالفوضى والخيبة استقرت هناك، هل ذاك العجوز الوديع حمل سرا بغيضا كهذا ! كيف له أن يبتسم في وجهها وهو يخفي حقيقة عمله هنا في القصر في ما مضى ؟؟ ألم يكن يثق بها ؟
تنهدت واستعادت القليل من تركيزها، وباحباط أقرت في سرها .
ما العلاقة التي جمعتنا ليعهد لي بشيء مشابه ؟ لقد كنت مجرد دخيلة عبرت حيز حياته في يوم ما وأصبحت لاحقا زبونته الدائمة ! لا يمكنني لومه صراحة، ولا يمكنني أيضا أن أتخطّى هذا بسهولة وكأنه شيء لم يكن .
تنهدت بضيق غير معجبة بالتناقض والمعمعة الحاصلة، حتى السكون الذي تعيشه حاليا يفوقها طاقة .
لم يمض الكثير، إلا أن أحاسيس كثيرة ذات تراكيب معقدة اكتسحت كيانها؛ كأنها تخبرها عن مدى غباءها إذ لم تنتبه حينئذ أن العجوز تعرف على الماركيز رغم ارتداءه لملابس نبلاء تبتعد تماما عن الملكية المحتضنة لجسده دوما، وبذكر هذا الأخير ! ألم ينسب لها الغباء خلال حوارهما قبل أيام قليلة؛ هو الآن لا يبدو مخطئا في الحقيقة .
كيف لم تلاحظ وبيتر لمح لشخصيته العنيدة حتى، تحذيره وجب أن يسرق انتباهها يومها، ولكنها استمرت تغزل الحمق دون وعي ! وهذا بالفعل ما يضاعف ألمها وحسرتها . وفي ظل التركيز الضائع شقت الأفكار القاتمة دربها إليها .
ليلتها تأخرت في غسل الصحون والتنظيف رغم أن مدام كارولين ساعدتها حتى النهاية، ولأنه كان عملا يفوق شخصين ويحتاج إلى الكثير من الأيادي العاملة فنتيجة كهذه كانت حتمية ! بشأن هذا الموضوع حاولت ألا تتعمق في التفكير، ولا تعلم حقيقة كيف نجحت بعد بعض الكفاح، وفي نهاية المطاف سارت نحو غرفتها، وبفضل التعب الشديد المستوطن لجسدها فهي نامت بمجرد أن استلقت على سريرها، وبكف البصر عن قصر المدة إلا أنها كانت كفيلة بأن تجعلها تسترد عافيتها وقوتها .
كالدمية جوفاء المحيا وذات النظرات الهادئة المريبة بدت يوم أمس، بل ونفذت أوامر الماركيز بالحرف الواحد دون اعتراض بعدما تناست فعلته النكراء بحقها، لم تسامحه؛ ولكن قضية العجوز تبدو أهم وتكسب كل تركيزها دون عناء، كما تخلق بعض شرارات الألم في فؤادها دون أن تعلم ما الحل .
لقد تجاهلت أن الضحية هي عرضها، والنسيان حل ضيفا عليها بشأن النوم الذي لم يقترب منها يوما كاملا، ومع هذا تابعت بإصرار مع الهالات السوداء التي بدأت بالظهور .
إلا أن الليلة الماضية اختلفت حيث امتنع النعاس عن دق أبوابها، وبهذا بقيت مستيقظة الليل بطوله وهي تحلل الموضوع من جميع الزوايا دون أي جدوى .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Fiksi Sejarahتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...