باعدت بين رموشها تعلن الاستيقاظ بعد عدد مجهول من الساعات، والعقدة التي قبعت بين حواجبها عكست انزعاجها، والسبب ربما الأصوات المتعالية خارجا .
قوّمت ظهرها، ويدها لم تمانع تدليك عنقها المتصلبة، كان من الغباء فعلا أن تنام على وضعيتها هذه ! حين وقع نظرها على معالم المكان انفجرت الذكريات في رأسها وتذكرت كل ما حدث، والآن لم تعد تستغرب الفوضى النابعة من الخارج .
لا بد وأن خبر إصابة الماركيز انتشر في القصر كالنار في الهشيم، بناء على القوّة المستعملة في طعنه فجرحه عميق بلا شك، ولعل ألكسندر عجز عن السيطرة على الوضع بمفرده فاضطر إلى مناداة الطبيب، ومن هناك انتقلت الأخبار بين الحراس والخدم، ثم إلى جميع القاطنين هنا .
حاليا كان بوسعها سماع صوت فرجينيا القلق والخائف وهي تستفسر عن مصابه وعن هوّية الفاعل، وشارلوت تعترف أن آخر سؤال عبث في دواخلها وأتاح الفرصة للندم حتى يطغى إلى مالا نهاية، لقد أصبحت تشك في مدى كرهها لنفسها، كيف فعلت ذلك ؟ من أين حصلت على الشجاعة اللازمة ! كيف انقادت وراء غضبها عمياء ؟
مع الأصوات المتزايدة صار الوضع يشبه خيط حرير ناعم يلتف حول رقبتها، ولم يكن بيدها سوى أن تغمض عينيها وتحظى ببعض السلام الزائف من خلال تجاهل الضوضاء خارجا قدر المستطاع .
ولكن كيفما فعلت ومهما حاولت فالفوضى ما تزال قائمة، والأمر لم يتعلق بتلك التي تحدث خلف الباب المغلق فقط، فتلك التي تحصل في رأسها الآن تبدو ضروسا وأكثر شدّة، كضجة حرب بدأت توا تحت أشعة الشمس الحارقة في صحراء قاحلة ! الأسئلة نهشت صفوة ذهنها والسلام لم يكن سوى اصطناع قاتم .. ماذا عن عقوبتها ؟ وكيف ستكون ردة فعل الكونت ومدام كارولين بعد أن انقشع الضباب عن هويتها المزيفة ؟ الخادمة البسيطة كانت ابنة بيير ! من المؤكد أن الصدمة سوف تأخذ نصيبها منهما .
في سرّها طرحت العديد من الأسئلة، والأجوبة في المقابل كانت فظيعة، وحقيقةً هذا كان جهدا لا طائل منه، فألكسندر مجددا قدّم لها يد العون، وعمل على التستر عنها من خلال تحذير ليو وزميله من البوح بأي شيء، حتى لو أراد أحدهما التفكير في ذلك وحسب، فإن هالة الآخر المظلمة والمهددة كانت شيئا منيعا حتما، وعيونه التي تصرخ بالعزم جففت دمهما .
الأمر لا يحتاج ذكاء خارقا لكي لا يعلم أحد ما في مكانهما أن شارلوت تكون السبب، لقد دخل الماركيز أولا سليما لا يشكو أي علّة، وبعده دخلت هي ! وما يدعم هكذا فرضيات يكون ألكسندر الذي عاد راكضا مع وجه يحمل تعابير مرتعبة، كما لو أنه علم بطريقة ما أن هناك مصيبة ستقع، لقد أراد منع ذلك ولكنه فشل في نهاية المطاف، وفي غضون دقائق طلب من ليو استدعاء الطبيب على عجل، يبدو أن الأحداث تحكي نفسها دون الحاجة إلى ربطها .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Исторические романыتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...