بعد مدّة طويلةٍ بات في مقدور شارلوت أن تحسّ بالسكينة تسكن فؤادها، لقد أضحت جميع طموحاتها حقيقةً خالصة وذلك يجعل مزاجها ومعنوياتها في القمّة .
نوعٌ من السّلام والطمأنينة يحيط بها، حتى الهمسات والتمتمات التي تسلّلت إلى مسامعها صباحًا في ما يخص ما تمّ نشره مؤخرًا من قبل ألكسندر ساهمت بالكثير، لقد وفى بوعده حقًا وحقق براءة والدها وأعلن الحقائق دون التستر عمّا فعله الدوق، ولأن القصر الآن في حالة فوضى فالهروب كان الحل الأفضل ..!
في الحقيقة لا يمكنها تجاوز أحداث يوم أمس، ملامح إيميلي لا تزال قائمةً نصب عينيها والصوت المختنق للكونت بات كابوسًا إلى حدٍ ما ! ولكنها تحاول التجاوز، ألم تعطي وعدها لأكسندر بأنها سوف تغادر ؟
أغمضت عينيها على عجلٍ حين تطرّق عقلها لهذا الموضوع كما لو كانت تتجاهله جادة، هو أمر ترغب لو يبقى ضبابيًا في مؤخرة رأسها، مثل قمامةٍ لا تستحق النظر !
تنهدت بحيوية وعادت تركّز مع الكتاب بين يديها، في الواقع هو لم يكن جديدًا ! لم تستطع الذهاب للقرية ومواجهة العم بيتر، أو حتى الطلب من مارينيت للذهاب في مكانها، وفقط أعادت مطالعة واحدٍ من القدماء .
الأمطار لم تتوقف، والإسطبل دافئٌ بطريقة أو بأخرى كما أنه يوّفر الحماس المطلوب، وبطن الحصان فاحم اللّون يبدو المكان المناسب للغوص في عالمٍ افتراضي من صنع الخيال، أين لا شوائب والكثير من السعادة !
ابتسمت ببهجةٍ وزمجرة الرعد المتوحشة تسلّلت إلى مسامعها دون مشقة .
أحسّت بالحصان خلفها وقد زحف إليه الجفول والفزع فاعتدلت مكانها جالسةً واستدارت نحوه بابتسامةٍ صادقة تمسح برقة وحنانٍ على شعره بيد وباليد الأخرى تمسك الكتاب وتجعل أصابعها تتخلّل الصفحة اللازمة لكي لا تفقدها .
" هل خفت ليو ؟؟ أنا بجانبك .."
قالت بنبرةٍ دافئة لا تتعارض مع لمساتها الناعمة على عنقه، تستغرب كيف أن الوقت علاجٌ فعال لكثير من الأشياء، حتى هذا الحصان والذي أسمته ليو تم ترويضه بشكل جيّد وممتاز، هو الآن مستكينٌ خاضع مع نظرةٍ بريئة تعلو مقلتيه الكبيرتين البراقتين . في اعتقادها كلّ شيء بريء يستحق التأمل دون كلل، وهذا الحصان لم يكن استثناءً !
شردت ببصرها على شعره الأسود المسندل على جانب عنقه وهذا جعل صور الماركيز تطفو في ذهنها وقد تذكرت لون شعره المماثل، وتمادت فتذكرت كلّ ملامحه الحادّة والرجولية، بدءً من عيونه الضيقة البهيّة إلى فكه المثالي ..!
حين وعت رمشت وسارعت تنفي برأسها تسعى إلى تشويش فكرها وذكرياتها، هذه الأخيرة تتدفق بعشوائية وسوف تجرّ واحدةً سيئة محرجة .
توقفت قليلًا وعندما وجدت نفسها تقف على أبواب تلك الذكرى أسرعت تغمض عينيها وتنفي برأسها مجددًا وبقوّة هذه المرة .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Tarihi Kurguتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...