19. جرعةٌ مرَّة ..

648 72 72
                                    

تناول وجبة الغداء كان سببًا وجيها لامتناع شارلوت عن تناول العشاء، وهذه كانت حجة حتى تسرع إلى غرفتها ملتقطة روايتها بكل ود وحماس بلغ الأفق، والوجهة كانت الإسطبل كالعادة، فالجو المسالم بالقرب من نولان يكون بلا شك المكان المناسب في هذا البرد والأمطار الغزيرة التي تستمر في الهطول .

سحبته من أعلى الرف، وبمجرد أن حملته فوجئت بشيء سقط منه وزرع الرعب فيها؛ إذ بدا هذا المشهد مألوفا .. مثل نهاية ليلة صاخبة ومتعبة انتهت بورقة أنيقة كانت رسالة من الدوق !

هذه الذكرى جعلت أمعائها تتشابك مشكلة عقدة مزعجة أسفل معدتها أثناء ما استمرت في تأمل الورقة بضياع دون القدرة على الاستيعاب، وليست تدري صراحة إن كان هذا فعل له إيجابياته .

ذعرها لم يكن من العدم، فالطرف الآخر كان شخصا يعرف هويتها ولكنه يواصل على جهله، كما لو أن الأمر لعبة بالنسبة له وهو يستمتع بالعزف على أوتارها الحساسة ! وحين تغرق في التفكير توقن أنه أكثر جنونا من الماركيز، في البداية كانت لتختار هذا الأخير بعد أن أنزل عقابا بها فقط لأنها امتنعت عن الاعتذار عما تراه حقيقة خالصة .

ليس وكأن العناد صفة طاغية فيها، ولكن أليس الأغلبية يفكرون هكذا ؟ ثم إن الأمر لا يتطلب سوى سرد بسيط للقصة .. وإن كان إنسانا طبيعيا يخلو من الانحياز وما جاوره فإنه سوف يبدي نفس الموقف . يقولون أن الحياة تجعلك تستوعب الدرس بعد خوض التجربة، وشارلوت بالفعل أدركت أن الماركيز نبيل مستبد ! وهذه كانت صفة إضافية للعديد من الصفات التي تملّكها والفسق كان أولاها، رغم أنه لم يكن شيئا مرفوضا لدى النبلاء، فهو بجميع الطرق كان سلوكا معتادا منهم ومبررا، وفي ظل هذا راودتها الرغبة دائما في البقاء بعيدة عنه، وفي ذات الوقت أرادت قربه، وبهذا ضاعت في وسط التناقض البغيض ! تخاف على نفسها منه، ولكنها تود لو تحصل منه على أيّ شيء يفيدها في فهم ما حدث قديما .

لقد اعتقدت أنها طالما تقوم بواجباتها دون زيادة أو نقصان فهي في مأمن، ولكن هذه كانت فرضية سقطت في مستنقع كريه رفقة القرار الذي نص على التصرف ببرود بغية رسم حدود عريضة، وفي النهاية تشابكت أقدارهما واختارها مرافقة .

والأمر لم يتوقف هنا حيث تطور لاحقا إلى واحد غير مرغوب فيه؛ فاستدعائها إلى جناحه كان الشيء الذي حاولت التملص منه، وبسببه أيضا قدمت عهدا مع قدرة ضعيفة على تحقيقه، ولكنها فعلت على أي حال لغرس الطمأنينة في قلب إليزابيث، والواقع يقول أنها ربما فعلت ذلك من أجل نفسها، والخاتمة البائسة أن حيزا مغلقا جمعهما، وهي بكل بساطة خلعت قناعها وأظهرت النفر منه، فالتمثيل آنذاك كان يستنزف روحها، والاستمرار عنى الموت !

الغرور كان أوّل نعت جسده الماركيز على أرض الواقع، وشارلوت شهدت هذا وهي ترى حذاءه الجلدي يجثم على جسد بيتر الضعيف بوقاحة بحتة، وتشك في أن هدفه يومئذ تمثل في تبيان نظافة هذا الأخير أو زيادة لمعانه تحت ضوء الشمس الدافئ ! ولو صدقت إحدى الفرضيتين أو كلاهما، فذلك في اعتقادها لا يبدو غريبا مع تفكير النبلاء .

قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Dateحيث تعيش القصص. اكتشف الآن