" المشكلة أنها لا تبصر ندمي .."
تحدّث الماركيز بحسرةٍ وهو يجلس على أريكةٍ بلون بنفسجي غامق، مخمليّة ومريحة ! يحني ظهره ويصنع زاوية بين أطرافه السفلية، يضع مرفقيه على فخذيه مع أصابع متداخلة وبصر مستقر على الأرض، أما خصلاته حالكة السواد فكانت تتدلى بعشوائية على إحدى عينيه .
" تضع عليّ حكمًا وتقيِّمني كيفما تشاء، ترميني بنظرات الحقد والاشمئزاز، وما بيدي حيلة سوى الخنوع والاستسلام لحكمها .
يؤلمني أنني لم أكن سوى ظالمٍ في عينيها، حتى لو حاولت التفسير فذلك سيكون مجرد جهد عقيم أهدرته دون فائدة ".
تنهد بضيقٍ واسترسل بنبرة منكسرة محبطة .
" حين التفكير لا يمكنني لومها، بعد كل شيء كانت محض طفلة شاهدت طاغية يضع حدا مقيتا لحياة والديها، والنتيجة انعكست عليها فعاشت حياة بالية ووحدة بلا حدود .
ما يزعجني هو أنني طلبت من الحراس إلقاء القبض عليها يومئذ، وهي لم تكن سوى زهرة طرية في طور النمو ! كنت غاضبا، وجرحي كان طازجا لا يزال يضخ دمه خارجا، لست أتلو أعذاري ولكنني كنت حقا مجروحا، فقدت عائلتي والحكم كان في انتظاري، مسؤولية كبيرة ألقيت على كاهلي دون مقدمات مملة، وفقدان الحضن الدافئ كان مؤلما وبشدّة ".
أطبق شفتيه يعلن الصمت بضع ثوان، ثم انفلتت منه ضحكة ساخرة وأعقب بنفس النبرة .
" أنظري إلى حالي الآن، أقدم مبررات واهية بينما هي قاست ما قاسيته أضعافا مضاعفة، شهدت موت والديها وسمعت أصواتهم تطلب الرحمة، ولكنني كنت مجرد جبار لا يثنيه شيء في تلك اللحظة .
لقد صرّحت بأنها كانت ابنة العشر سنوات، كما كشفت عن غيرتها مني لأنني امتلكت أبا، صديقا والكثير من المقربين، كان لدي العديد ممن أتركز عليهم، ألوذ إليهم في وقت الحاجة، مثل الآن تماما ! إلا أنها كانت تمتلك قريبا واحدا، وأنا أفرجت عن لؤمي واستغليته مهددا إياها لأضمن القبول منها .
يقال أن الرجال أقوياء، وبغض النظر عن جنسي كنت أفوقها سنا وكان لدي الدوق والكونت إلى جواري، ولكنها كانت طفلة، أنثى حساسة مع مشاعر جياشة ".
توقف لبرهة، وبعدها تابع طرح أفكاره بصوت يغرق في العتاب والحسرة العظيمة .
" أين كان عقلي يوم أمرت الجنود بامساكها ! ماذا لو حدث ذلك بالفعل، أيّ عقاب كنت سأنزله بها تحت وطأة غضبي ؟"
تنهد بضيق واسترسل .
" حتى وأن أسمع افتراء الكونت بشأن موتها داهمتني أحاسيس الندم؛ ما جعل الأسود يسود عالمي كلون أساسي لا بديل له، في تلك اللحظة علمت أنني اقترفت الخطيئة؛ خطيئتي المضنية، إثمي الذي كلما أغلقت عيني تجسّد أمامي، وعلى إثره فقدت لذة النوم ! إن حصدت روحها بيدي كنت سأعيش أبد الدهر مع حمل ثقيل جدا، وأشك أن تلك كانت أوّل مرة يقف فيها الحظ إلى صفي ".
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Historische Romaneتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...