تجمدت على ذات الهيئة بسبب ما توغل في مسامعها، وضبط نفسها وصدمتها تطلب هنيهة بسيطة، سحبت الورقة من يد مارينيت وللمرة الأولى بعد المليون ربما؛ عاودت قراءة الكلمات المنقوشة بتركيز، إلا أن هذه المرة اختلفت بالطبع، فهي لم تشعر بالضياع والصداع . الأمر شابه السير في نفق تخلله ضوء الفجر بعد ساعات طويلة من المسير في الظلام، الآن بدا كل شيء واضحا ومريحا، ولعلها بفعلتها هذه أرادت التأكد قبل أن تُخدع وتحرر سرورها الهائل، ورغم هذا ما تزال تتناقض بين الصدمة والسعادة ! وللحياد استخدمت ملامح هادئة طبيعية .
بمجرد أن انتهت تحسرت على الغباء الذي لازمها قبل ماض قريب، ولكن أليس هذا ما يحصل معنا ؟ قراءة شيء ما عديد المرات وجعله عادة حقيرة تفقدنا التركيز والاهتمام ! في هذه الحالة لم تعتقد أنه وجب عليها توبيخ نفسها، وفقط تأففت بارتياح كبير . أما مارينيت التي حازت على دور الأطرش في الزفة فواصلت مراقبة الوضع بعينيها الواسعتين، وهناك فوق رأسها استقرت علامة استفهام بحجم عملاق .
" والآن ماذا ؟"
استفاقت متجاهلة ما حدث ويحدث، وببطء واستغراب تلفظت، شارلوت التي تذكرت وجودها أرادت التبرير ولكنها واصلت فتح ثغرها وغلقه دون كلمات مناسبة .. كسمكة كافحت لأجل إيجاد الماء وفشلت على الغالب .
تشتت بصرها وبهدوء مسحت شفتيها، فالموقف يعلوه التوتر وشيء من الكلفة، تشجعت وغضت الطرف عن الوقاحة قبل أن تعرب حازمة .
" في الواقع لا يمكنني إخبارك بحقيقة هاته الرسالة، ولكن وعدي قائم، أنا سأحقق أمنية لك ".
ختمت بابتسامة دافئة مريحة، والصدق الذي فاض من عينيها أكد ما تقوله، وبهذا لم تستطع مارينيت إلا أن تبتسم وتقطع هذه الأجواء المسالمة عبر مد يدها وقرص خدها مازحة .
" ألم أخبرك ألا تظهري ملامح كهاته مهما كان، سلامتك لن تبق بجانبك طويلا وأنتِ تفعلين هذا ".
انتهت بابتسامة عريضة شقية، وما تحمله من معنى كان سيئا جدا، ولأن شارلوت بلغته هرعت تنزع يدها وتدلك خدها مردفة باعتراض وعبوس .
" مارينيت ! هذا مؤلم ".
حافظت الأخرى على ابتسامتها اللطيفة، والسبب كان عفوية من بجوارها، فقد تخلت أخيرا عن قناع برودها وتذمرت حيال أمر ما . مسحت تعابيرها مستبدلة إياها بواحدة جادة، وفي اللحظة التالية استدركت .
" بشأن أمنيتي ! سأطلب منك تحقيقها في وقت قريب ".
**
مرت ثلاثة أيام كاملة، ومع هذ لم تحرّك شارلوت خطوة باتجاه الدوق، الخوف الذي سكن فؤادها دفعها لأن تخلق أكبر مسافة بينهما، فالحقائق التي تنفجر في وجهها وفي حضوره تكون عنيفة، ما يسرق الألوان الزاهية ويسبب الفوضى العارمة ! ولكنها كذلك تعلم يقينا أنها ستقف في مواجهته يوما ما إن كانت تود تحقيق مطلبها، ويحتمل أن هذا اليوم يدنو منها عازما .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Fiction Historiqueتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...