22. وعدُ امرَأة ..

592 66 19
                                    

" أنا ابنة ذلك القاتل ".

تردّد صدى هذه العبارة في ذهن ألكسندر، والتغيّر الذي طرأ عليه كان أن اتسعت أعينه على مصرعيها غير مصدق ! أو أنه طمح إلى التأكد من صحة ما لامس مجسّات أذنيه .

استفاق من صدمته التي لم تكن في وقت مناسب، وفي اللحظة التالية عدم المسافة بينهما في خطوة كبيرة وقبض على عضدها بقوّة لا تتماشى مع أنثى، والدليل أن تقاسيمها انكمشت جراء الألم الذي اعترى محياها، صحيح أنه استحق الاهتمام منها، ولكن الأهم حاليا يكمن في إقناع الهائج أمامها والحصول على مساعدته مهما كان .

نظراته الحادة نهشتها، وبالكاد كان يكبت سخطه، وبطريقة ما ظهر كأسد جائع مكشر على أنيابه في انتظار الفرصة المؤاتية للانقضاض على فريسته .

" حدسي حولكِ كان صادقا من أوّل وهلة، ولم أكن ظالما بعد كل شيء، ولكن ما يغضبني حقا ليس تجاهلي للأمر؛ وإنما وقوفك هنا وإقرارك بالذنب وكأنه شيء يستحق الفخر، وهو ذنب آخر .

كيف كان في مقدروك فعل هذا والتظاهر بالهدوء رغم هشاشة الأرضية التي تقفين عليها، هل كان هذا تمثيلا محترفا منك ؟ لقد استمررت في غزل كذبتك بينما تخدمين الماركيز عن قرب وتخفين عنه مثل هذه الحقيقة البغيضة، ابنة قاتل والديه ! ما مرادك ؟؟ أتطمعين إلى إنهاء ما تركه والدك ناقصا منذ زمن بعيد ؟"

نطق مهسهسا بغضب كبير، وشارلوت كرهت الحقيقة التي انبثقت من بين الكلمات التي بصقها، ولاسيما تلك الأخيرة التي تضعها محل شخص يبحث عن الأذية وبشدة .

طوال فترة حديثه كانت تنظر نحوه صامتة، لقد استشعرت هالة الحماية التي اندفعت منه فجأة صوب الماركيز، ولا تعلم حقيقة إن كان هذا شيئا جيدا أو سيئا، لأنه بقدر ما سيكون نقطة ضعف قد يكون نقطة قوّة، وإن فازت آخر فرضية فالنهاية ستكون مأساوية بلا ريب .

داخليا تعترف أن ما صرح به لم يزعزع هدوءها، فما قامت به لم يكن خطأ من منظورها، حتى وإن كان صوابا فالخطيئة المقترفة لن تكون من مستوى ما اقترفه المعني بالحديث كله . كيانها اهتز بقوّة مع آخر ما قاله، ولكنها لم تكن إطلاقا في موضع يسمح لها بالدخول في مناشدة حادة تحت هدف استرجاع الكرامة، أو تصحيح بعض المعلومات ! الأمر هنا تطلب الخضوع للواقع المرير، والتضحية التي استنزفت الكثير من الدماء، وحجما هائلا من الدبلوماسية، رغم أنها تشك في قدرة ألكسندر على الاستمتاع وهو في هذا الهيجان العظيم .

قول شيء طائش لن يكون في صالحها، وإن عجزت عن انتقاء الكلمات الملائمة فذلك سيؤدي إلى نتيجة مؤسفة، ولا يبدو أن الواقف أمامها سوف يحتمل هذا، قد يصفه بالهراء ! وإن أعطاها ظهره فقل آنذاك أن مرادها السامي تحطّم على صخرة غاشمة .

بسبب هذا كله التزمت الصمت، ولكن معالمها الجامدة دفعت الآخر إلى الهاوية، لقد سيطر على امتعاضه بصعوبة بالغة خوفا من أن يتهور مجرما في حقها، وما ساعده كان قبضة يده التي تضيق حول عضدها أكثر فأكثر، وشارلوت في المقابل فشلت في تقييد تعابيرها التي تجعدت في كل مرة بألم شنيع، وغرز أسنانها في نسيج شفتها الرطب كان ما فعلته بعد أن كانت عديمة الحيلة .

قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Dateحيث تعيش القصص. اكتشف الآن