18. معجبةٌ خجولة ~

639 74 64
                                    

استجمعت أكبر قدر من الهواء وزفرته دفعة واحدة، كما لو كانت مقبلة على شيء ما احتاج رباطة جأش عظيمة .

دفعت الباب بخفة، وبالتزامن أصدر الجرس المعلق أعلاه صوتا لطيفا يعيدها إلى الزمن الجميل، ومن دون أن تعي زينت شبه ابتسامة دافئة شفتيها، والاشتياق كان الإحساس الذي طرق أبوابها لما تذكرت الأيام التي كانت تتصرف فيها بعفوية بحتة دون أن تضطر للاصطناع . لا يمكن الكذب حيال كونها كاذبة منذ البداية؛ ولكن الشعور بات مختلفا، آنذاك لم تكن تعلم وبدا التمثيل سهلا، ولكن فعله الآن مع النظر في عينيه يبدو عسيرا جدا .. هل هذا ما يسمى بالاستغفال ؟ مع هذا السؤال المباغت تدفقت كلمات ألكسندر إلى عقلها؛ تقدّمون طعنتكم تحت واجهة مقززة من السلم ! وفي ذات الوقت رسم مشهدٌ أمامها وهي تطعن العم بيتر في قلبه بينما هو يبتسم بوداعة، ابتلعت رغم الألم المتفجر وسؤال واحد عاد يكتسح ذهنها؛ هل الأمر سوف يكون بخير إن كانت الطعنة موجهة إلى ظهره ؟

على عجل نفضت أفكارها الفظيعة وأطلقت نفسا عميقا، إلا أن الاستسلام خذلها وفقط واصلت التخبّط بين استنتاج وآخر .

لقد كان هو الآخر يخفي قناعه الحقيقي خلف ظهره، ولكنها تشك في أن غايته كانت سيئة والأمر سيان معها، إذا هل كانت تلك الذكريات اللطيفة التي استقرت في رأسها مجرد شيء عابر غُمس في النفاق حتى النخاع ؟ المؤلم أن الإجابة كانت نعم، وما اندلع في حنجرتها من علقم كان سببه هذا السؤال .

الضيق غزا فؤادها، وقد كانت ثوان حتى تضاعف بشكل بغيض حالما تذكرت أنه كان مرافق الدوق، ولكن كيف كان بوسعها احتمال هذا رغم المشاعر السلبية التي هاجمتها بوحشية ؟ هل كان هذا جرّاء ثقتها العمياء وارتياحها في حضوره ! أو أن ابتسامته الدافئة كانت السبب الفعلي إذ شوشت فكرها في كل مرة ؟

تنهدت وباطنيا تمنت بشدة لو أن سلوكياته تكون صادقة دون أيّ غاية مبطنة وضيعة .

يومها عندما استوعبت وحصلت على فسحتها الخاصة غاصت في أفكارها وأصبحت تعتقد أنها قامت بالأمر نفسه وبكل حذافيره المملة .. ألم تفعل ؟ حين تظاهرت بكونها من إنجلترا واستمرت بكل وقاحة بإلقاء تلك الابتسامات الصغيرة عليه وعلى بعض سكان القرية، لن تكذب إن قالت أن كل ابتسامة صدرت منها كانت صادقة وليست مصطنعة؛ ولكن هذا لا يغطي على الجرم الذي اقترفته شيئا؛ لقد أخفت هويتها وهو كذلك فعل في ما تعلق بعمله في القصر .

في هذه الحالة لا يمكنها أن تتلو المبررات لنفسها بينما تلوم العجوز وكلاهما افتعلا أفعالا على مستوى واحد من الشناعة، هنا يجب أن تتخلى عن مصلحتها الشخصية وتظهر الحقيقة كما هي دون أي تزييف أو عبث، قد تبرّر بكونها كانت خائفة والحياة التي بين يديها كانت فرصتها الأخيرة، ولكنه هو الآخر كان له هدفه حتما، ذلك المراد الذي اختبئ خلفه واستمر على كذبته !

قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Dateحيث تعيش القصص. اكتشف الآن