" أنا معك .."
جلالته جمد على وضعيته للحظات، من دون أن يرمش بعينيه حتى !
تلك الجملة البسيطة تعني له الكثير، والأكثر أنها من بين شفاه شارلوت انزلقت، الفتاة المعجب بها ؟ أو التي يحبّها ..؟؟
والآن دموعه أكثر غزارة، تتدفق القطرة تلو أخرى وهو يحسّ بها كسيل ساخن يجري ويتحرّر من أطراف عينيه .
هو خائف، خائف أن هذه مجرّد عبارة قيلت لإغراءه، وفي عقله يدرك أن الحياة ليست رحيمة، إن وسعته بهذه السعادة الضخمة فإن النتيجة والألم سيكونان بحجم مماثل أو أكبر، ولم يعد بمقدوره التحمل ..! ليس في ما يتعلّق بالشيء الوحيد الذي ما يزال متسمكا به وكأنه أمله الأخير .
ولعل مخاوفه لم تكن عبثا، فالمعنية لم تفكر كثيرًا وهي تنطق هذه الكلمات، قد تعني حقا ما تقوله أو قد تكون فقط فعلت هذا بدافع الإنسانية والمواساة تخفيفا عنه !
شارلوت شعرت بالعجز يكبّل كل جسدها، مهما حاولت نسج كلماتٍ مطمئنة تشك في أنها سوف تحصد أيّ نتيجة، وكأن كل أفعالها كانت بمثابة جهدٍ غير مثمر .
كانت تظن هذا، ولكنها في المقابل استمرت باحتضانه، وبالقرب منه وفي محاولة جادة قالت بنبرةٍ خافتة، واثقة وهادئة تكاد تكون همسًا وكلها يقين بأنه بلغ سماعه حين تحدثت أمام أذنه .
" كل ما صرحت به ينطبق على تلك اللحظة التي لمحتكَ فيها، عندها ظننت الموت والحياة معنا واحدًا ولا فرق صغير قد يعطيني نظرة أفضل .
ولكن النظرة نفسها تغيّرت بمرور الوقت، كنت صغيرةً لأعلم أن منحى حياتي تغير قليلا نحو الأحسن لحظة التقاء الكونت ونولان ربما، وقد علمت ذلك لاحقا من دون ريب وأنا بشخصيتي الناضجة .
ثم هناك خالتي والتي كانت بمقام أمي، لقد كانت الحلقة التي تربطني بالحياة وتجعلني أتدلى عاليًا عن ما يحمل مصطلح الموت !
هناك بدأت أقتنع بأن القدر ليس بتلك القسوة ومن المستحيل أن تُترك وحيدًا في بيداء من الحزن والوجع .
حتى وأنا أتي إلى القرية فالوضع لم يكن بذلك السوء، كل من التقيتهم كانوا طيّبين وجيدين، وبدا الأمر وكأن الصورة التي كانت تحتويني أنا وخالتي احتوت المزيد من حولي وباتت أكثر حيويةً وإشراقا، وذلك العبوس الذي كان يزين شفتي تحول تدريجيا إلى ابتسامة تتماشى مع ملامحي المبتهجة .
قد لا أكون راضية تمام الرضى ولكنه يبقى الأفضل، وقد لا يكون أولئك الأشخاص ممن تعجبني شخصيتهم ولكنهم من سدّوا تلك الفجوة في النهاية، من قلتَ عنها ووصفتها بالفراغ العظيم والمغطى بسوادٍ مفزع يسبب القشعريرة .
تفكيرك سوف يتغير مستقبلا، والوضع الذي اعتقدت أن العيش معه مستحيلا سوف تتأقلم معه ويضحي الروح الوحيدة التي تمتلكها، بل ... وسوف تشدّ عليها بأظافرك ونواجدك !
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
أدب تاريخيتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...