أحنت شارلوت ظهرها ووضعت يديها على ركبتيها في محاولة جادة للحصول على أنفاسها بصعوبة بالغة ! لقد أرادت الشتم حقا ولكنها تمالكت نفسها في آخر ثانية وفقط واصلت اللهاث .
زفرت بقوة لآخر مرة واستقامت مستديرة للخلف؛ ما جعل السلالم الطويلة تحتل الواجهة ! ولأنها كانت سبب حالتها المزرية هذه فهي رمقتها بكره وبغض شديدين، ففي الأخير وجدت إحدى الخادمات وسألتها عن جناح الماركيز، وهذه كانت النتيجة .
يبدو أن مخزون طاقتها استنزف كليا، فكل خطوة استلزمت الكثيرة، وفي لحظة تمنت لو ينتهي الأمر في رمشة عين .
الآن كانت ما تزال مستمرة على نظراتها الحاقدة نحوها؛ رغم جمالها ! فلقد انقسمت إلى شقين يبدآن على مسافة متوسطة من مدخل القصر ويتفرعان كلٌ على جانب، ثم يعودان ويلتقيان تقريبًا ما يؤدي إلى خلق شبه دائرة كبيرة . حين انتبهت لهذا التفصيل انخفضت حدّة عينيها وأصبحت هادئة لا تفعل شيئا سوى التأمل، وفي النهاية بلغت أمرا ما، هذا القصر تحفة معمارية !
ورغم ما رأته من رقي وعمران إلا أنها واصلت دعم جسدها المرهق وعلقت لامبالية .
" ليكن التحطم مصيرك يوما ما ".
وبمجرد أن انتهت استدارت تخطو بأرجل ترتعش، كما لو أن صعود التل لم يكن كافيا مع الحقيبة الثقيلة واستدعى الأمر هذه السلالم أيضا .
مدت بضع خطوات وبعدها انعطفت يمينا؛ هنا أين لمعت عينيها لما تراه، رواق طويل به أعمدة دائرية عملاقة، وبين كل اثنين توضع تمثال منحوت ! وعلى الجدار الآخر علقت صور كبيرة لأشخاص رفقة أسماءهم المدونة بالأسفل . دققت النظر فلاحظت أن الجميع يحمل لقب الدوق، وبهذا أدركت أن هؤلاء جميعهم حكموا باريس في السنوات الماضية البعيدة .
تابعت السير على مهل، ولم تع أن تعبها وكل شيء سيء بات طي النسيان، ولعل السبب كان الغرق في تأمل التحف ومختلف أشكالها، والذي كان شيئا مريحا .
أعينها واصلت التلألئ بإعجاب، والانبهار كان جليًا على تعابيرها، ولا تدري كيف حدث ووجدت نفسها على بعد مسافة قصيرة من باب أبيض ناصع، ضخم وينقسم إلى شقين؛ مع زخارف ذهبية زينت جوانبه، ورغم أن هذه الأخيرة كانت بسيطة وليست بالكثيرة إلا أنها ما تزال ساحرة وتحوز على كل الإنتباه .
ظللت تمعن النظر به بلا هدف، وعندما أيقنت أن الزخارف مصنوعة من الذهب بالفعل تجهمت تقاسيمها لاإراديا، فكيفما نظرت لم ترها إلا تبذيرا وعجرفة مقززة .
إنه لمن المؤسف حقا أن يعيش الشعب في حالة بؤس وهم يقتاتون على مردود مزارعهم البسيط، والأوروستقراطيين هنا ينقشون ابواب أجنحتهم ذهبا، كما لو أنهم يعرضون بذخهم أمام الجميع، ويا لها من أنانية ! عبّرت في سرها بغير رضى، ومع مرور سرب الذكريات الحزينة أمام عينيها تنهدت بضيق شديد .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Ficción históricaتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...