الصّدمة ألجمت شارلوت بعد ما سمعته، والنتيجة كانت أن تجمدت مكانها دون القدرة على مدّ خطوةٍ واحدة للأمام .
برود الماركيز ولامبالاته وهو يغادر كشفت لها أنه لا يمزح، وما تفوّه به لم يكن سوى حقيقةٍ لا غبار عليها .. من وجهة نظره على الأقل !
حين عالجت معنى كلماته وهضمت المعنى زفرت بعمقٍ قبل أن تتجاهل أفكارها المريضة، وبالتزامن ارتخت أكتافها وشعرت بالهدوء يزورها من جديد .
في اللحظة الموالية تقبّلت الأمر الواقع، ولم تعلم لما سارت خلفه بهدوء بينما تبقي بينهما مسافة مقبولة ! ولكن هل كان يعني ما قاله حقا ؟ إنه بالتأكيد وغدٌ كبير .
ما لفت انتباهها كان عباءته السوداء التي تنتهي عند منتصف ساقه بالتقريب، لقد كانت تنسدل على طول جسده وكم بدت دافئة ! كما أن الفرو المختلط بين الأبيض والرمادي والذي يحاوط عنقه زاد فخامتها، الآن وقد أدركت الموقف تسائلت في قرارة نفسها بعد أن قلصت عينيها ترمقه بوهجٍ كثيف .
هل كان بالخارج ؟
في الحقيقة لا يبدو هذا الاحتمال مرفوضًا وهو لم يتواجد في الحفل، إلا أنها ليست على يقين بهذا الاستنتاج؛ فهي لم تمعن النظر بالحضور جيدًا، ولكن أليست هالته كفيلة بأن تلفت الأنظار ؟
تنهدت بمللٍ بسبب هذه الأفكار، وفي دواخلها تكره الإعتراف بأن له كاريزما من نوعٍ ما حيث يكسب الانتباه دون عناء .
بحلول هذا الوقت كانت ما تزال تحافظ على نفس المسافة بينهما تشاهد مشيته المغرورة، ولم يكن هذا ما هو عليه الأمر ! فخطواته انحصرت في كونها واثقةً ومتزنة، ولكن شارلوت لم تكن راضية وأرادت اقناع نفسها اجبارًا بأنه يتباهى ويتعالى بأسلوبه الخاص .
قطّبت حاجبيها لا يروقها ما تراه، وفجأة توقفت مكانها والغاية خلق مسافة أكبر ! حين افترضت أن كلّ شيء صار جاهزا رسمت تعابير جامدة وشدّت كتفيها إلى الخلف قليلا، والمضحك أنها بدأت تمد خطوات ما معتقدة أن تلك مشية الماركيز من منظورها، ولكن أليست تبالغ ؟
لن تكذب إن قالت أنها تستمتع بفعل هذا، شيءٌ لا يعجبها تراه وتقلّده ساخرة ! هذا بالتأكيد ولسبب مجهول يدفع بالرضى لأن يتدفق في جوفها وبقوّة .
"هل ما تقومين به ممتعٌ لذلك الحد ؟"
صوت جاف بات في الواجهة، وشارلوت من الصدمة وقفت مع أعينٍ متسعة تستنكر ما سمعته، هل كان هذا الكلام موجه نحوها ؟
لم تمض العديد من الثواني والآخر قد استدار إليها مع تعابير لم تكن غاضبةً أو حاقدة، وإنما كانت باردةً وساكنة لأبعد حد؛ وهذا من المفروض ما أعاقها عن توقع ردّة فعله، وحين عجزت عن ذلك رمقته بنظراتٍ عميقة كما لو كانت تهدف إلى قراءة أفكاره، ولكن ما حدث كان أن نشأ بينهما تواصل بصري، والصمت كان لغةً راقية من نوع ما .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Ficción históricaتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...