طوال هاته المدة حاولت شارلوت جاهدة شغل نفسها بأشياء لا تستحق، والسبب بلا ريب تمثل في فقدان شجاعتها؛ ما جعل المواجهة حلمًا بعيد المنال .
لقد مرّ يومين كاملين على التزامها لغرفتها كانت فيهما مارينيت زائرها الوحيد، ورغم أن مدام كارولين نقلت رسالة الماركيز إليها؛ تلك التي تخص رفع الحجر عنها إلا أنها رفضت الخروج، مهما فكرت تجد أن فكرة ملاقاة هذا الأخير مخيفة، لاسيما والضعف ينهش كيانها وروحها على حد سواء، فالحقائق التي قدمتها أنجيلا لها على طبق من ذهب لم تكن لذيذة، إنه لمن الواضح أن المرارة كانت مكونها الأساسي الذي استقر في حلقها ومدّها بإحساس بغيض من اللارتياح، وربما الألم المضاعف .
الشحوب وسم محياها، ولا عجب في هذا ما دامت تواصل الحفاظ على وجبة واحدة أو اثنين يوميا جرّاء شهيتها المعدومة .
في هذه الأثناء كانت ككلّ مرة تنظر عبر النافذة في حال شعورها بالاختناق أو الملل، لأن المطالعة لم تعد هواية تستطيع ممارستها بعدما استولى الماركيز على كل شبر من عقلها، فهي ستجد نفسها تغرق في أفكارها لاشعوريا، كما لو أن التيار قوي جدا ! ليس الأمر وكأنها لم تحاول، فقد فعلت مرات عديدة، لقد حاولت جادة قراءة ما أرسله العم بيتر ولكن الخيانة النابعة من تركيزها كانت ضربة قاضية، وثغرها العبد لم يكن يتلو غير الكلمات، ذلك الحماس الذي امتلكته تلاشى كما لم يكن مع رسالة مارينيت التي جاهرت بها ذاك اليوم .
والآن لم يكن الوضع مختلفا، إنها تنغمس في أفكارها المتشابكة، وفي سرها استفسرت عن ردة فعل المعني إن تقابلا ؟ هل سوف يستمر في خلق أكبر مسافة بينهما ! وماذا عنها هي ؟ تعتذر أو تترك الأمور على حالها بلا أيّ عبث ؟؟
زفرت لا يخلو رأسها من أسئلة مماثلة في كل لحظة وحين، وبالتزامن اقتلعت عينيها من على خيوط المطر الغزيرة التي واصلت التساقط طوال الأيام المنصرمة، وقد قدمت معروفا جليلا بإذابة الثلوج وخلق سيول مياه جارية دون توقف، الأمر الذي أزال بعض الاختناق !
الجو كان كئيبا، الغيوم الرمادية الحزينة تملأ السماء وتأخذ الشمس أسيرة؛ والتي ستأووي إلى مخدعها بعد دقائق قصيرة، ما أضفى لمسة من الظلام الباهت .
في الماضي وحتى بعد موت والدها كان هذا الطقس هو ما تحبه، أين تقتحم سريرها متحمسة مع غطاء ثقيل يحمي جسدها، والوجهة دائما ما كانت عالما خياليا حلو المذاق . الدفء الذي لطالما انبعث من الشمعة المثبتة بالقرب منها كان شيئا لا يمكن وصفه، ورغم صغره مقارنة مع العواصف في الخارج، إلا أنه كان عملاقا بسبب النشاط المتفجر في أوردتها، ما يدفع الأدرينالين للإرتفاع بجنون، لاسيما في مقاطع الحماسية .
تنهدت بقلة حيلة على الواقع، وبلا وعي رفعت الورقة التي كانت تستوطن يدها، وللمرة المليون أعادت قرءتها دون فائدة ترجى، وقد كانت هذه رسالة الكونتيسة .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Historical Fictionتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...