مع إشراقة شمس يوم جديد تعالى صياح الديكة، وقد كان مرتفعا للحدّ الذي جعل شارلوت تفتح عينيها مرغمة، ولنقل أن مغادرة السّرير في هذا الوقت مع برودة الخريف تكاد تكون أعجوبة .
تأففت متقلبة بغير رضى، وبالتزامن وضعت الغطاء على رأسها وتمسكت بقوة به؛ كمن يحاول ردعه من الوصول إلى أذنيه .
يبدو ما تفعله عقيما، فالصوت ما يزال مسموعا بطريقة مزعجة، وحين بلغت هذا تنهدت بعمق، وفي ما تلى اعتدلت جالسة مع ملامح ممتعضة مستاءة . وما زاد الوضع سوء هو ألم ظهرها الذي تعتقده نتج عن المرتبة الخفيفة، ومهما كانت وضعيتها فهي لن تشعر بالراحة كما يجب .
أمعنت النظر بالمكان بلا هدف، والخدر الذي ما يزال يسيطر على جسدها كان السبب .
لم تستغرق الكثير من الوقت في ما تفعله، بعد كلّ شيء كانت هذه غرفتها الصغيرة البسيطة، ولكنها فجأة تذكرت أن اليوم هو الموعود للإلتحاق بالقصر، وبهذا واصلت معنوياتها السقوط في القاع عديم النهاية !
شعرت بالضيق يحتل فؤادها، ولكنها تشجعت واستقامت من سريرها بنية التجهز؛ بعدما أيقنت أنه ما باليد حيلة .
**
دقائق طويلة انقضت وشارلوت الآن جلست أمام مرآة مستديرة ذات حجم متوسط، والملفت للنظر أن بها بقعا صغيرة أفسدت صفاءها، وعلى إثرها تكاد تكون غير قابلة للاستعمال، وهذا إن دلّ فإنما يدل على كونها استخدمت سنين طويلة .
لقد كانت ترتدي فستانا طويلا سادة؛ ليس بالثقيل ولا الخفيف ! أبيض اللون عند الجذع؛ مع ياقة واسعة تحتوي مطاطا يساهم في إعطاءها شكل المربع، أما عن الذراعين فكانا واسعين من الأسفل؛ ما يعيق الحركة ولكنه يضيف لمسة جميلة وأنثوية، وحين يتعلق الأمر بالأطراف السفلية فاللون يصبح أزرقا غامقا، وما جمع بين الجزئين تمثل في الجلد الأسود القاسي بعض الشيء؛ والموجود على مستوى البطن والخصر، والذي احتوى على خيوطٍ صغيرة مشدودة بقوة استمرت إلى النهاية بعقدة أنيقة، وكأن الغاية منه كانت إبراز خصرها الصغير الممشوق .
في هاته الأثناء كانت تضفر جديلتها الطويلة المتدلية على كتفها الأيمن، ولقد فعلت هذا بكل سهولة بعدما أصبح أمرا مألوفا، فقد قامت به مرّات لا تحصى .
أنظارها واصلت التحديق باللاشيء كنوع من الشرود، والذكريات التي عصفت بعقلها كانت السبب حتما ! تلك التي حملت بين ثناياها تفصيل إليزابيث لهذا الفستان وخياطته بكلا يديها، وكم كان هذا مؤلمًا وصعبا، لا سيما وأن التقرّحات لازمت أصابعها نتيجة الإبر التي واجهت صعوبة كبيرة في سحبها في ما يتعلق بالخصر الجلدي، وقد تطلب هذا جهدًا جهيدا وقوّة جبارة، حتى أن التكسر كان مصير معظمها .
أنت تقرأ
قبل ميعاد النضوج || Before The Maturity Date
Ficción históricaتتراءى لي تلك الذكريات البشعة نصب عيناي، وتصبح بمثابة حطب يزيد من اشتعال النار المتأجِّجة في أعماقي . هنا أين يمنح قلبي صبغة سوداء جرّاء لون دخانها القاتم، ومشاعري الدافئة التي تقبع في داخلي تغدو رمادًا تتناقله الرياح مع ذكر اسمه . نعم هذه أنا ..! م...