19

382 46 29
                                    

خالَفْتُ الوعدَ مرّةً أُخرى و أخفَيْتُ عنه ، أخفَيْتُ عنه كيفَ بدا العالمُ أسودَ بخبرِ إمكانيّةِ رحيلِه ، أخفَيْتُ عنه عَوْدَةَ دواخلِي إلى سابقِ يأسِها ، إلى قضاءِ الوقتِ في رجاءِ حضورِ النّهاية.
ما أبطأتُ من حَرَكَتِي مُذ تركَني ريكي عندَ مُفترقِ طريقينا و حتّى أغلَقْتُ عليَّ بابَ غُرفَتِي وحيدة ، ارتمَيْتُ فوقَ السَّريرِ أعانقُ أغطيتَه ، و أضغطُ على قماشِها بينَ أصابِعِي.
أجهلُ هويّةَ المتواجدين في البيت ، و أجهلُ إمكانيّةَ أن يسمعَ أيٌّ كانَ صوتَ الحربِ النّاشبةِ ما بينِي و بين نفسِي ، لا آبهُ حقيقةً لو علمَتْ إحدى أمّي أو أُختِي بأنَّني أبكي ، بَيْدَ أنَّني لا أريدُ أن تحاولا التّدخُّلَ في أمورِ القوى المتحاربة ، فَقَدْ يردُّ أحدُها مُستَخدِماً العنف.
ثوانٍ و إذ بالبابِ يُطرَق ، ما كدْتُ أطرحُ رغبَتِي قبلَما خالفَها القدر ، أسيظلُّ لكُلِّ رغباتِي ذاتُ المصير؟

_"شيزوكا عزيزتي.. هناكَ شابٌّ يريدُ رؤيتَكِ"

ليسَ صعباً عليَّ استنتاجُ عمَّن تتكلَّمُ و بغيرِ أسئلةٍ أو استفسارات ، فليسَ من غيرِه ناظرٌ في أمرِي ، وحدَه ريكي.
نَهَضْتُ سريعاً أمسحُ دموعِي ، لا يجبُ أن يراها ريكي ، حتّى لو كانَ يستطيعُ بقدراتِه الإحساسَ بتواجُدِ الألمِ ما خلفَها

_"أدخليه أمِّي"

فَهِمَتْ أُمِّي ما قُلْتُ على نحوٍ خاطئٍ و فَتَحَتِ البابَ تدعوه إلى غُرفَتِي ، كُنْتُ أقصدُ أن تدعوَه إلى البيتِ ريثَما أتجهَّز ، لا أن تدعوه إلى الغرفةِ فيراني على هذه الحال.
هَرَعْتُ إلى حيثُ تقفُ مُتأخِّرة ، فقابلَ وجهُه وجهِي ، قابلَ فيه الاضطرابَ و الخوف ، قابلَ فيه اليأسَ و التّيه ، قابلَ فيه فشلَ كثيرٍ من أتعابِه

_"أكُنْتِ تبكين؟"

_"لا.."

تَرَكَتْنا أمِّي وحيدَين ، فأغلقَ ريكي من ورائه الباب ؛ لو كانَ يريدُ أن نذهبَ في رحلةٍ لاستطاعَ أن يفعلَ من أيِّ مكانٍ يختار ، فما الذّي جاءَ به الآن هنا؟

_"لماذا تكذبين؟ ألا تعرفين أنَّكِ عاجزةٌ عن خداعِي؟"

_"أكذبُ لأنَّني أريد"

_"أحقّاً؟"

لم تَبلُغْ حجَّتِي الواهيةُ أن تقنعَ حتّى وسادة ، فالإقناعُ ما كانَ هدفِي من طَرحِها ، كلُّ هدفِي كانَ إزعاجَه و إبعادَه عنِّي قدرَ المُستطاع.
زِدْتُ عنه بُعداً حالَ تأكَّدَ عجزِي عن رفعِ عينيَّ عن الأرضِ في ظلِّ سيطرةِ وجودِه ، فتمسَّكَ بيدي يستوقِفُني حيثُ أنا ، ما حاوَلْتُ أن أهرب ، ليسَ لأنَّ قوَّتَه حالَتْ دونَ ذلك ، و لكن لأنَّ فيَّ ما كانَ ينتظرُ أن يفعل ، فيَّ مشاعرُ غضّةٌ لا تموت

الرَّائي~نيشيمورا ريكيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن