40

325 39 27
                                    

'الرِّحلَةُ الأخِيْرة'

الدّقائقُ اللّاحقةُ لتلكَ المعرفةِ مُحمَّلةٌ بسكاكين ، يقطعُ كلٌّ منها جُزءاً منِّي ، بعضُها شُوِّهَتْ بفعلِه مشاعرِي ، و بعضُها الآخرُ قطَّعَ لُبِّي ، أمّا عقلِي ، ققَدْ هوى يحتضرُ أمامَ قوَّتِها ، و تخلّى عن القيادةِ مستسلماً يهابُ مزيدَ الخسائر.
هدأتُ في الظّاهرِ و غابَ صوتِي ، غَيْرَ أنَّ دواخلِي ما هَنِئتْ ، كانَتْ تصرخُ بكلِّ قوّة ، و أظنُّ ريكي يسمعُها ، فقَدْ كانَ و معَ كلِّ نوبةِ جنونٍ جديدةٍ يربِّتُ على ظهرِي ، و يضمُّ جسدِي إليه أكثر

_"سوفَ تكونين بخير ، وَعَدْتُكِ"

همسَ برفقٍ في موعدٍ لا أعي بحضورِه ، همستُه دافئة ، عانقَتْ قلبِي قبلَما وصلَتْ سمعِي ، و قبلَما بلغَتْ أنفاسُه ملامسةَ وجهِي.
احتجَزَ صدرِي نفساً عميقاً و أنا أستذكرُ كلماتِه أحاولُ فهمَها ، كانَ يعيدُ وعدَه لي على ما يبدو ، و بالتّزامُنِ مع وصولِ هذه الفكرةِ إلى استيعابِي ، حرَّرْتُ نفسِي ، و بدأتُ أتعاملُ مع حنقٍ ينمو في داخلِي.
أرفضُ وعدَه التّابعَ لمنطقٍ معدوم ، أرفضُ أن نفترقَ على هذا النّحوِ و فقط لكي أكونَ بخير ، لم يكن هذا في يومٍ من الأيّامِ هدفِي ، و لن يكونَ في لحظةٍ باتَ فيها إحقاقُه يساوِمُني على بقاءِ مُحِقِّه.
ابتَعَدْتُ منه بعضَ الشَّيءِ أبحثُ عن مخاطبةِ عينيه ، وجهُه ما يزالُ راكداً ، و هذا الوجهُ ليسَ وجهاً مُطمئناً

_"لا أريدُ أن أكونَ بخيرٍ ريكي! أريدُ أن أكونَ إلى قُربِك! معك!"

_"اتركي لي مجالاً كي أعودَ إذاً ، كوني بخيرٍ و سوفَ أعود ، أعِدُكِ شيزو!"

يَعِدُ مُجدَّداً ، و لكن بصوتٍ أعلى شِدّة ، و بنبرةٍ ثابتة ، يقطعُ وعداً ينبئ بإحقاقِ الوعدِ الأوّل ، يقطعُ وعداً يبانُه واثقاً إلى درجةٍ عجيبة ، و عالماً بمجرياتِ القادمِ من أحداث ، أو حائكاً لها بخطّةٍ مُحكمة.
صُرِفَ عنه نظرِي ، و تاهَ يتابعُ الرِّحلةَ شكلَها ، يبدو أنَّنا سنغادرُ هذه القاعةَ قريباً ، إذ فَقَدَتْ بريقَها على حينِ غرّة ، و أمسَتْ خاليةً من النّاسِ و الأضواء

_"إليّ حُلوَتِي"

سُمِعَ فجأةً صوتُ أنغامٍ موسيقيّةٍ متناسِقة ، تبِعَتْ صدورَه و بالتَّدرُّجِ عودةُ الأضواءِ و النّاسِ إلى الصّالة ، و كأنَّ للحياةِ معنىً جميلاً لا يتجلّى بغيرِ المُوسيقى.
تحرَّكَ الرّائي بعيداً عنّي و أمامَ عينيّ ، خطوتين أو ثلاث ، ثمَّ استدارَ نحوي ، مُبدِلاً ما كانَ عليه وجهُه في آخرِ فترةٍ بواحدٍ جديد ، واحدٍ مُشرِقٍ رقيق

_"تعالي!"

سُمِعَ بالكادِ صوتُه في زحمةِ الأصواتِ الأُخرى ، أمّا رغبَتُه فما فُهِمَتْ قبل أن مدَّ نحو الأمامِ ذراعَه يطالبُني المجيء.
سِرْتُ إلى حيثُ هو بهدوءٍ و تأنٍّ ، ليسَ لأنَّني أريد ، و لكن لأنَّ الحذاءَ المُرافِقَ لهذا الزّيِّ عالٍ عن الأرض ، و يصعبُ التّعامُلُ معه دون أضرارٍ مُتوقَّعة ؛ ثمَّ أرسَلْتُ إلى كفِّه الممدودةِ كفِّي ، فتعانقتا ، و تعانقَتْ إثرَهما روحانا

الرَّائي~نيشيمورا ريكيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن