36

250 32 18
                                    

أقفُ أمامَ البابِ بصدرٍ مُتزَلزِل ، أحملُ حقيبَتِي على أيمنِ كتفِي ، و يزورُ خيالِي بقاعَ الأرضِ مُنقِصاً من شدّةِ الضّغطِ على عقلِي.
تكوَّمَتْ المخاوفُ فوقَ حنجرَتِي ، أنزفَتْ مسامِي عرقاً مثلجاً ، و توهَّجَ موضعُ معدَتِي بألمٍ غيَّرَ من وتيرةِ تنفُّسِي ، ذاتُ أعراضِ أوَّلِ مُسابقةٍ لي ، بذاتِ الشِّدّةِ و ذاتِ الاستحكام.
جُزِعْت إذْ تخلخلَ شرودِي و انتشرَتْ في أركانِ جسدِي قشعريرةٌ تمركزَ انطلاقُها أوّلاً في كتفِي ، استدَرْتُ أعاينُ ما حدث ، و إذ به ريكي ، بجمالٍ حزينٍ تزيَّنَتْ ملامحُه ، و ببسمةٍ مُطمئنةٍ اغتنى ثغرُه ، كانَ يحملُ لي بقيّةَ أغراضِي و مُذْ التقيتُه في الطّريق ، و الآن يبدو أنَّه يبتغي حملانَ المزيد ، يبتغي حملانَ همِّي.
وَجَدْتُني فجأةً أستندُ إلى صدرِه ، هناكَ حيثُ تغلغلَ الأمانُ عميقاً في أحاسيسِي ، تنهَّدْتُ أحبسُ في جوفِي نحيبِي ، ثمَّ و مع قبلةٍ راسيةٍ دافئة ، هدأ خوفِي ، و خصعَ قلبِي لعناقِ شفتيه و جبيني ، فغفلَ عن الخوف لوهلة ، و راحَ يُحِبُّه أكثر

_"أثقُ بكِ حُلوَتِي ، ابذلي جهدَكِ ، سأكونُ فخوراً بكِ دائماً ، و كيفَما كانَتْ النّتيجة"

هربَتْ دمعةٌ من إحدى مقلتَيّ بغيرِ أن أُحِسّ ، فمسحَها من فورِه يرفضُ وجودَها ، ثمَّ تناولَ يدِي و وجَّهَنا إلى بابِ الصّالة ، صالةِ كرةِ المضرب ، حيثُ ستنطلقُ أُولى مُبارياتي.
انصرفَ ريكي بعدَ تودُّعِ أعيننا ، و توجَّهَ إلى مقاعدِ المشاهدين يشاركُ عائلتي دعمِي البعيد ، ليتَه ما فعل ، أشعرُ بالوحدةِ إلى حدٍّ ما.
وقَفْتُ أتأمَّلُ المضربَ و أنتظرُ برفقَتِه محينَ البداية ، و قبلَما انطلقَتْ الصّافرةُ في الهواء ، توجَّهْتُ إلى الجهةِ الأُخرى أصافحُ المنافسة ، كانَ وجهُها بادئ الأمرِ مُتخفّياً نصفُه خلفَ قناعٍ قماشيٍّ ، و آنَ مَدَدْتُ يدي ، خلعَتِ القناعَ تظهرُ ابتسامةً مُتحدّيةً ساخرة ، فتعرَّفْتُ إليها ، و إلى وجهِ ريكي حوَّلْتُ نظرِي ، وجهِه الفخورِ الدّاعم ، الواثقِ العظيم ، ثمَّ إلى وجهِ الخنزيرةِ أعَدْتُه ، و ابتَسَمْتُ أقبلُ التّحدّي.
سوفَ أنتقمُ لنفسِي ، انتقاماً خيِّراً لا شرَّ فيه ، لا حقدَ فيه ، و لا إثمَ أكتسبُه على إثرِه ، فهي و إن حدثَ و لوَّثَتْ قلبِي بغلِّها فيما سبق ، لن أعودَ فأسمحَ لها و لشرورِها بالعودةِ إليه ، و أيّاً كانَ الثّمن.
سأربحُ مُجدَّداً ، كما فَعَلْتُ في سالفِ الوقت ، و لكنَّني اليومَ لن أربحَ بحثاً عن الألقابِ و الجوائز ، بل سأربحُ لأجلِ شعرِي المُشوَّه ، لأجلِ مضربِي المغدور ، لأجلِ حُلمِي المَطعون ، و لأجل قلبِي الذّي كُسِر.
عُدْتُ إلى موقِعِي من بعدِ ما قُرِّرَ أنَّها هي مُبتَدِئةُ النّزال ، و تجهَّزْتُ أنتظرُ وصولَ الكرةِ إلى مرابعِي ، صلَّيْتُ بخشوعٍ في سرِّي ، صلَّيْتُ لأجلِ نفسِي أوَّلاً ، لكي يمدَّني اللّٰه بقوّةٍ أستعيدُ بها كرامَتِي قبلَ كلِّ شيء.
انطلقَتْ الصّافرةُ أخيراً ، و بُعِثَتْ إلى حيِّزِي الكرةُ الصَّفراءُ حُرّةً ، قَفَزْتُ إليها أتحضَّرُ لاستقبالِها ، ثمَّ و بمعاونةِ مضربِي أعدتُها إليها.
صوتُ الطَّرقِ دخلَ إلى مسامعِي ألحاناً موزونةً رومنسية ، وقعُها يضفي على دواخلِي لمعانَ النُّجوم.
و فجأةً ، طارَتِ الكرةُ بعيداً عنِّي ، ارتطمَتْ بالأرضِ و خرجَتْ ، أوَّلُ نقطةٍ في المباراةِ ما كانَتْ لصالحِي ، شعرْتُ بالخذلانِ ينمو في داخلِي ، و خشيتُ أن أستيقظَ فأجدَ أن أحلامِي كلَّها ، ما كانَتْ سوى وهمٍ جميلٍ سينتهي

الرَّائي~نيشيمورا ريكيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن