14/ آب (أغسطس)
كان تنظيف المنزل أحدَ الجوانب الضرورية لأسلوب حياته الجديد الذي تمنى بينه وبين نفسه أن يدوم طويلاً، ولكن للأسف كان التنظيف أيضاً أكثر شيءٍ يكرهه!
لم يكن ياغيز يلدز شخصاً يهوى الترتيب والتنظيم، ولكن طبيعة عمله تتطلب هذا، أما خارج العمل لم يكن مضطراً كثيراً لأن يقوم بأي عملٍ بنفسه، فلقد كان طفلاً وحيداً مدللاً وثرياً، نما هذا الطفل وأصبح رجلاً يحمل المواصفات نفسها، ومنذ خمس سنوات، حين ترك منزل والديه –أخيراً- لينعم ببعض الاستقلالية لم يكن هناك ما يدفعه للتنظيف أبداً، فمنذ خمس سنوات تعددت الصديقات والحبيبات في حياته، ولكنه منذ يومين، أصبحَ عازباً، وكان شعور العزوبية أمراً رائعاً.. لا بل بالغ الروعة!
كتم ياغيز تثاؤبه، وتجاهل معدته التي تقرقر جوعاً، لقد كان مُتعباً للغاية وراح يتمنى بفارغ الصبر انتهاء دوام العمل، ليعود إلى المنزل ويتخلص من آخر الآثار الباقية من حبيبته السابقة.
ومع ذلك كان للقدر وأمه العزيزة كريمة، وصديقة طفولته ياسمين خطط أخرى؛ تضمنت هذه الخطط تسوقاً لا معنى له لتحصل أمه على ثوبٍ جديد، كما تضمنت تعذيباً خفيفاً لروحه، لقد تم جره إلى هذا المكان حرفياً! فأمه التي لم ترزق بأحدٍ غيره، كانت تعتبره الابن والابنة معاً، ولهذا كان عليه أن يقوم بكلا الدورين حين يتطلب الأمر، حتى وإن كانت صديقته ياسمين تقوم بدور الابنة على أكمل وجه، لم يعفه هذا من مهمته الأبدية حين ظهرت والدته على باب مكتبه وقالت بصوتٍ سُكّري خبيث: حبيبي ياغيز، ألا تريد القدوم معي لأقيس ثوبي الجديد؟!
وبدت صديقته متواطئة معها إذ ألصقت ابتسامةً حلوةً على شفتيها!
لم تكن كلمة "حلو" مناسبة تماماً ليصف بها أمه أو ياسمين!
رد على أمه وابتسامة صديقته: أفضّل أن أقتل نفسي..
لكنهما بشكلٍ ما جعلاه ينخرط في حديث مهم وهما تمشيان معه خروجاً من مكتبه، ثم نزولاً بالمصعد، ووصولاً إلى السيارة، وفجأة وجد نفسه وسط السوق، وعدسات كاميرات الصحفيين الفضولية تلمع في وجهه!
وحينها لعن نفسه لأنه نسي مفاتيح سيارته ومحفظته في المكتب!
لقد كان عالقاً الآن تحت رحمتهما، وشعر بالغباء لوقوعه في هذه الحيلة البسيطة، لكن البساطة أحياناً كانت هي مفتاح حصولنا على ما نريد، كما كانت "البساطة" موطن قوة ياسمين، وعلى العكس منها كانت أمه، فحين أرادت كريمة يلدز -سيدة المجتمع، زوجة محمد يلدز رجل الأعمال الكبير- أن تخطط، كانت تخطط بشكل كبير، وفي وضعه هذا وعلى الرغم من كونه بسيطاً إلا أنه لم يستطع أن يستبعد أن أمّه هي العقل المدبر لكل شيء، لأنها كانت متواطئة مع ياسمين في أي خطة تجدها مناسبة، وفي بعض الأحيان استطاعت أمه أن تقنعه أن فكرةً ما كانت فكرته من الأساس، وذلك بعد أن تزرعها في رأسه بخبث، تماماً كما حدث الآن، حيث انتهى به الأمر يحمل حقائب السيدتين كخادم غبي.. عفواً كابنٍ بار!
أنت تقرأ
حُطام | BROKEN
Romanceشعر ياغيز بشيء يشبه الشفقة تجاه المرأة التي أمامه. لقد أقلقته هذه الشفقة إلى مدىً بعيد، لكن ما أثار اشمئزازه هو أنَ أحداً ما تمكن من تحطيم هازان شامكران إلى درجة جعلت من الصعب أن يتعرف عليها أحد.