لم يكن سهلاً ما سمعته هازان يخرج من بين شفتي ياغيز..
لقد حاولت.
حاولت حقاً أن تختبأ خلف وجه جامدٍ وملامح باردة، لكنها لم تستطع، حركت كلماته وابل مشاعرها، وجاء إدراكها لمعنى كلماته مؤلماً.
إنه يعرف.
كان يعرف بأن والديها قد ماتا، ولكن كيف!
قلة فقط عرفوا بهذا الموضوع، حتى جوكهان وسنان وإيجة لم يعرفوا بهذا الأمر، لم تكن هازان تريد أن ترى وجوه والديها مبعثرة في المجلات والصحف مع خبر عاجل، لم تكن تريد أن تُهان ذكراهما بهذه الطريقة، كما لم تكن تريد شفقة أحدٍ عليها، ولذلك فعلت ما وجدت أنه الأفضل لسلامة عقلها وأبقت آلامها مكبوتة محبوسة ولم تشاركها مع أحد.
خلال الأيام التي تلت وفاة والديها قامت هازان بكل ما يمكنها لإبقاء الأمر سراً وبعيداً عن أعين الصحف، ففي النهاية لم تكن ظروف وفاتهما عادية.
الآن، يبدو أن عملها الشاق في إخفاء الأمر قد ذهب سدى، فها هو ياغيز يعرف بسرها، وكان على استعداد بالبوح به لأيٍّ كان.
بالتأكيد كان سيؤذيها بسبب هذه المعرفة الجديدة التي حصل عليها، ولماذا سيفعل هذا؟ لأنه هكذا ولطالما عرفت عنه أنه شخص شرير مستعد لتدمير حياة الناس مقابل متعته الشخصية.
ومع أن هازان افتخرت بكونها إنسانة منطقية عاقلة، وافتخرت برباطة جأشها وقوة عزيمتها حين يتعلق الأمر بالإهانات والشتائم والكلام المؤذي الذي سمعته طوال حياتها، وافتخرت بأن دموعها لا تنزل لأي سبب كان، إلا أنّ في كلماته التي قالها شيء غريب.
ربما هي البرودة واللامبالاة التي نطق بها، والكلمات التي أصابت نقطة حساسة في قلبها.
كل هذا جعلها تنزل من قمة السعادة بعد حديثها مع السيدة سيفينش، لتصل إلى الحضيض.
ومع أنها أقسمت لنفسها أنها لن تبكي أمامه أبداً، لكنها مع ذلك وجدت نفسها تبكي كالمجنونة.
لم تكن هازان غبية، وعرفت تماماً أنّ كلامه لم يكن ناتجاً عن الحقد، ولو كان كذلك لما تأثرت ربما، لكنه كان يرمي كلماته خبط عشواء ودون مبالاة بأثرها الذي ستفتعله في قلوب من يسمعها.
لقد كان ياغيز الآن مثالاً حياً على سبب انعزال هازان وابتعادها عن الناس، كما أنه أضاف سبباً جديداً لها لتشيد الجدران حولها مانعةً أي أحدٍ من الاقتراب منها.
لقد كان كلام ياغيز دليلاً على أن كل ما أهمه هو نفسه، وسعادته في تدمير الآخرين، بالذات هي.. لطالما كرهها، وها هو الآن يذكرها بهذه الكراهية بأبشع صورة.
تعرف هازان أن والديها قد توفيا، وأنها قد حرمت من حنان الأم وعطفها، ولكن سماع الكلمات تلفظ أمامها مذكرة إياها بخسارتها وبأنها الآن وحيدة في مواجهة هذا العالم، لقد كسر هذا قلبها، وقبل أن تفقد أعصابها وتنفجر ببكاء هستيري، أحست بيده تحيط بذراعها، وبنفسها تمشي خلفه دون مقاومة خارج المتجر، وحين وصلا إلى الزقاق الجانبي القريب من المتجر، تعثرت هازان وسقطت على يديها وركبتيها ملامسة الأرض الباردة الرطبة من المطر.
أنت تقرأ
حُطام | BROKEN
Romantizmشعر ياغيز بشيء يشبه الشفقة تجاه المرأة التي أمامه. لقد أقلقته هذه الشفقة إلى مدىً بعيد، لكن ما أثار اشمئزازه هو أنَ أحداً ما تمكن من تحطيم هازان شامكران إلى درجة جعلت من الصعب أن يتعرف عليها أحد.