توقف الزمن

208 15 0
                                    

"ما الذي تفعله فتاة جميلة مثلك في مكان كهذا؟"

نظرت هازان إلى الرجل ذي العيون الداكنة الذي جلس لتوه على الكرسي بجانبها وهو يضع كأس المشروب على المنضدة ويطلب واحداً آخر من النادل، مما جعل هازان غير مرتاحة أبداً.

كان الرجل ثملاً، تفوح منه رائحة الشراب ورائحة أخرى غريبة لم تتعرف عليها، بدت كرائحة امرأة ما، لكنها لم تستغرب فالنظرة على وجهه كانت راضية تماماً.

أجابته بنبرة حادة هادئة وهي تبتعد بكرسيها عنه: أهتم بشؤوني، ربما عليكَ أن تجرب هذا وتهتم بشؤونك.

مرر الرجل إصبعه على خط فكها: أوه لا تخجلي يا قطتي، إنك ناعمة جداً، وبريئة جداً.

صفعت هازان يده على الفور: اعتبر هذا تحذيراً ولا تلمسني مرة أخرى.

اقترب منها أكثر: أنتِ قطة مشاكسة ألستِ كذلك؟ أنا أحب ذلك حقاً..

شعرت هازان بالاشمئزاز ودفعت ثمن وجبتها وقفزت عن الكرسي مبتعدة عنه.

لم تعرف هازان أنه تبعها حتى مشت في زقاق جانبي يؤدي إلى فندقها، كانت ليلة صافية عقبت غروب شمس مذهل جداً، كان الزقاق الذي تمشي فيه مضاءً بشكل جزئي، وفارغاً، باستثناء عدد قليل من الكلاب الشاردة التي جعلتها تشعر بقدر ضئيل من عدم الارتياح، جاء صوت الرجل من وراءها: أنتِ أيتها القطة.

استدارت هازان بسرعة لتجد نفسها وجهاً لوجه مع الرجل الغبي الذي كان في المطعم، سألته بهدوء دون أن تظهر خوفها: لماذا تتبعني؟

أجاب الغريب كأنه لم يسمع سؤالها: رائحتك كرائحة الفاكهة، كالدراق..

وهنا استدارت هازان مستعدة للركض بعيداً لكنه كان أسرع بكثير مما توقعت من رجل ثمل، وقبل أن تتمكن صرخة عالية من الهروب من شفتيها كان الرجل قد أمسك بها من شعرها وأجبرها على مواجهة جدار الزقاق، لقد كانت الضربة مؤلمة، عرفت هازان هذا لكنها لم تشعر بها، كان اندفاع الأدرينالين في عروقها يمنعها من التفكير بأي شيء إلا الحاجة الماسة للهرب.

كانت أمام خيارين، القتال أو الهرب، لم تكن هازان قد تدربت على الملاكمة منذ سنة تقريباً، وشعرت بأن مفاصلها صدئة بعض الشيء، لكنها مع هذا، اختارت أن تقاتل قبل أن تهرب، وهكذا سرعان ما وجدت نفسها تضربه، وتخدشه، وتحاول ركله بين قدميه بركبتها، لم تكن ستهرب دون قتال.

في البداية بدا الرجل متفاجئاً من قوتها، وتلقى بضع ضربات قبل أن يحبس يديها بيديه وهو يقول بصوت لاهث متعب من محاولته لإحتوائها: الآن يا قطتي الصغيرة، سوف تكونين هادئة.

قالت من بين أسنانها: اتركني.

ابتسم، وحينها فقط أدركت أنها لم تعد قادرة على رؤية وجهه بسبب الظلام، وسمعته يقول: أنتِ قطة مشاكسة للغاية، قد أبقيك إلى جواري، عكس ما فعلت مع الأخريات.

وهنا تجمد دم هازان تماماً وهو يهمس في أذنها: لا أستطيع الانتظار لأطفئ روحك!

بطرف عينها رأت هازان مكاناً في منتصف الزقاق يصلح للاختباء، وخلال تسع ثوانٍ فقط، استطاعت أن تخطط لهروبها، كل ما عليها أن تفعله هو أن تدفعه ليترك يديها.

سألها: كم عمرك؟

بصقت في وجهه: عمري لا يهمك!

وكما خططت تماماً ترك يدها ليصفع وجهها، لكن لم تتح له الفرصة أبداً، ففي اللحظة التي ترك فيها يدها، أخرجت هازان سكيناً من جيبها الخلفي وجرحته جرحاً خفيفاً في كتفه، مما جعله يطلق سراحها فجأة، استغلت هازان لحظات ارتباكه وركضت إلى مكان اختبائها.

سمعت هازان شتائمه، وسمعت خطواته الراكضة بحثاً عنها في الاتجاه الذي هربت فيه، وعندما توقف على بعد عشرة أقدام من المكان الذي كانت تختبئ فيه، راحت هازان تتنفس ببطء محاولة إبطاء نبضات قلبها، وغطت فمها لتمنع أي صوت من الخروج منها.

ركل الرجل بعض حاويات القمامة معتقداً أنها تختبئ وراءها: إلى أين هربت بهذه السرعة؟ كنا سنلعب..

بعد أن قلب عدداً من الحاويات الفارغة أصبحت نبرة صوته أكثر خطورة: اخرجي يا قطتي، لا داعي لتخافي، أنا لن أؤذيك.

ثم سيطر عليه الغضب: انظري أيتها العاهرة الصغيرة، عندما سأجدك سأجعلك تدفعين الثمن!

لكن كل ما سمعه الرجل كان نباح الكلاب الغاضبة.

بدا كأنه مسكونٌ بغضب ما وجنون غريب حين صرخ في النهاية: اللعنة! الآن لا بد لي أن أجد فتاةً أخرى غيركِ يا قطتي، إن هذا خطؤك!

سمعت هازان خطواته تنسحب، ولم تعرف كيف لم يكتشف مكان اختبائها، لكنها حمدت الله على ذلك، حمدت الله على نجاتها.

انتظرت هازان عشر دقائق حتى أطلت برأسها، وحين لم تجده، تنفست الصعداء، جلست على الأرض ثانية ركبتيها مصدومة حتى النخاع، ولمدة خمس عشرة دقيقة، بقيت مكانها، غير مصدقة لما حدث، وغير مصدقة لنجاتها، ما الذي كان سيحدث إن لم تكن السكين في جيبها؟ ما الذي كان سيحدث إن وجدها؟ ما الذي كان سيحدث إن لم تؤثر فيه الضربة!

ارتجفت هازان فجأة، لم تكن تريد أن تفكر في الذي كان سيحدث، لأنها كانت تعرف بالفعل ما الذي كان يريده، عندها فقط أدركت، أنها نجت بأعجوبة، وأن الفتاة التالية التي سيبحث عنها ربما لن تكون محظوظة إلى هذه الدرجة.

وقبل أن تفكر هازان بأي شيء، وجدت نفسها تركض في الشارع، لم تكن قد قطعت الكثير من المسافة حين سمعت أنيناً مؤلماً قادماً من زقاق آخر، أنين مؤلم، وصرخة، صفعة، ثم صرخة مكتومة.

أيقظت صرخة الفتاة شيئاً غريباً داخل هازان وركضت نحو الصوت، كان هناك فتاة أخرى، وكما توقعت هازان لم تكن فتاة محظوظة مثلها لتنجو.

لقد أضاعت 15 دقيقة في حين كان بإمكانها إنقاذ الفتاة، أو تحذيرها، لكنها جلست هناك، مصدومة، ولم تفعل شيئاً أبداً، كانت هي الملامة على ما يحدث للفتاة.

صرخت الفتاة مرة أخرى، وتحطم قلب هازان، وعلى الفور ميزت الصوت.

ياسمين.

وتوقف الزمن.

حُطام | BROKENحيث تعيش القصص. اكتشف الآن