لأسبابٍ لم يفهمها

273 23 10
                                    

بعد سماع آخر كلمتين مكتومتين خرجتا من فم هازان عرف ياغيز أن عليه الاختباء بسرعة، ونظراً لعدم وجود أي وقت ليفكر فيه بمهرب، اكتفى ياغيز بإدارة ظهره والمراهنة على حظه بأن لا يراه جوكهان.

خرج جوكهان من الغرفة ومر من أمامه غاضباً لدرجة أنه لم يلاحظه، كان ياغيز شاكراً لغباء جوكهان وجهله، أما لحديثه عن والدة ياغيز وصديقه المقرب فإن جوكهان محظوظ لأنه نجا بجلده دون أن يخنقه ياغيز.

بعد ثلاثين ثانية من خروج جوكهان من الغرفة سمع ياغيز الباب يفتح، ولهذا لم يغير من وقفته أبداً، وراقب بينما مرت هازان أمامه تبكي بصوت مسموع، وتعرج منطلقة بسرعة بعيداً عن الغرفة، كانت ترتدي ملابس المستشفى، وفي قدميها الجوربان الصوفيان برتقاليا اللون البشعان اللتين حاكتهما لها أمه، وعلى الرغم من كل ما سمعه ياغيز، وعلى الرغم من كل ما أخبرته به ياسمين عن هازان وكيف أنقذت حياتها، لكنه كان ما زال ممزقاً بين القيام بما هو لائق، وبين القيام بما هو غير مؤلم.

في النهاية انتصر الخيار "اللائق" ولعن ياغيز نفسه لأن لديه ضمير.

انتظر ياغيز قليلاً حتى ابتعدت هازان عنه ولحق بها عبر أروقة المشفى، كانت تتجه نحو باب الأدراج، وحين فتحته انتظر قليلاً قبل أن يفتحه بعدها ويلحق بها، شاهدها تصعد الدرج، بصعوبة، وتمنى أن يساعدها، لكن كان عليه أن يحافظ على المسافة، إن رأته الآن فستغضب، وربما ستطرده، وهكذا شعر ياغيز نفسه لأول مرة في حياته أنه مُتعقِب يطارد ضحيته، وراح يتساءل كيف ومتى وصلت حياته إلى هذا المستوى المنحط! واستنتج في النهاية أن حالته هذه التي يعيشها الآن هي خطأ الجميع، وليست خطأه، حتى أن وجوده في المشفى هذه الآن هو خطأ والده.

فقد تعرض السيد يلدز لنوبة جديدة، وكاد يرمي نفسه عن الأدراج العالية لولا أن أوقفه أحد الخدم بصعوبة، أكسبته هذه المغامرة الصغيرة فوق الأدراج بضعة أيام في جناحه الخاص في المشفى، حيث راح يمشي بخطىً بائسة، ويتحدث لمخلوقاته التي تسكن رأسه عندما لم تكن الأدوية المخدرة تسبح في مجرى دمه.

وهكذا وجد ياغيز نفسه وقد أخذ اليوم كله إجازة، ومكث مع والدته المستاءة التي راحت تعتني بزوجها المريض حتى سقط نائماً في وقت ما قرب الفجر، وبدلاً من أن ترتاح كأي شخصٍ عادي، ذهبت والدته إلى غرفة هازان لتطمئن عليها.

أما وقوفه خارج غرفة هازان عندما كانت تتشاجر مع جوكهان فقد كان هذا خطأ ياسمين، وراح يتذكر صوتها وهي تقول: سأكون خارج المدينة لبضعة أيام، عدني بأنك ستطمئن عليها.

وتذكر إجابته لها: دمير وأمي يعتنيان بها جيداً.

وحين ظهر الحزن على وجه ياسمين وهي تقول: فقط تأكد أنها بخير، من فضلك.

حينها فقط رضخ لمطلبها.

بعد أن قرأ مذكراتها في ذلك اليوم لم يعرف ماذا يجدر به أن يقول، لذلك لم يقل شيئاً على الإطلاق، ولمدة ثلاثة أيام متتالية راحت الكلمات التي قرأها ترقص أمامه في كل مناسبة، تدفعه إلى التفكير بكل ما حدث، وفي بعض الأوقات كاد يتقيأ كل ما في بطنه لمجرد أن الذكرى خطرت له، ومع ذلك لم يقل شيئاً لياسمين.

حُطام | BROKENحيث تعيش القصص. اكتشف الآن