القول بأن المطعم كان مزدحماً سيكون ظلماً، لقد كان صاخباً وممتلئاً عن آخره تقريباً، ولم يستطع ياغيز تمييز صوت من آخر، لقد اختلطت الأصوات كلها في رأسه مما جعله غير قادر على التركيز في أي شيء أبداً.
كانت النادلات المرتبات تتنقلن من طاولة إلى أخرى، تدوّنّ الطلبات، وتوصلن الطعام والشراب والحلوى بابتساماتٍ مبهرة، لكنهن مع هذا كنّ متعبات، حتى المضيفة الشابة نيرمين بدت متوترة من عدد الزبائن الذين ينتظرون الجلوس.
كان ياغيز مضطرباً، ليس لأنهم لم يجلسوا على الفور، بل لأنه اصطدم وأمه بأردال، وأردال هذا واحدٌ من أبناء ضحايا الفندق، أخذته عائلة يلدز تحت رعايتها، ومولت دراسته وتعليمه..
كان ياغيز بهدوء ينتظر دوره في الجلوس على طاولة الغداء، لكنّ أمه لمحت أردال، وأطلقت نحوه نظرة صارمة، مانعةً إياه من التصرف ببرود مع الشاب اللطيف، أما ياسمين فقد حققت أسرع هروب رآه على الإطلاق، فخلال ثوانٍ كانت قد عذرت نفسها من الاجتماع وذهبت إلى الحمام، أو هكذا زعمت.كان الأمر سيئاً بما فيه الكفاية بالنسبة لياغيز أن يضطر لتحمل الاجتماعات الأسبوعية في شركة العائلة بصحبة أردال، فالشاب قد تخرج في أرقى الجامعات وعليه وظفته شركة "يلدز هولدنغ" بسبب كفائته، أو هذا ما ظنه الجميع، أما السبب الحقيقي، فهي رغبة أمه بذلك، إن لأمه حقاً عقلٌ مدبر!
ومع أن ملامح وجه ياغيز لم تكن منشرحة تماماً، إلا أن أردال راح يزعج أمه بسرد مفصلٍ وممل عن عمله في الشركة، وكيف أن استلامه للعلاقات العامة في الشركة كان ضربة حظ له وللشركة أيضاً بسبب معرفته للغاتٍ كثيرة: حقاً إن أفضل جزء في عملي هو الاجتماعات مع العملاء الأجانب..
هراء، هراء، هراء..
كل ما كان يخرج من فم أردال هو هراء!
عندما قرقرت معدته مرة أخرى، أصابه الجزع، وتمنى لو أن هذا الانتظار ينتهي، فعلى معدة فارغة كان بإمكانه تحمل أردال لقدر ضئيل فقط، ولهذا كان قد اقترب من الانفجار..
قالت والدته بنبرة بدت صادقة للغاية: عزيزي أردال هذا رائع جداً.
وللحظات كاد يقتنع حقاً أنها مهتمة، لكنه في داخله عرف تماماً أن أمه لم تلقِ بالاً أبداً لكل هذا الكلام عن العمل، لأنها بالكاد ألقت بالاً لعمله هو، ففي كل مرة يخبرها فيها عن يومه في العمل بشكل مفصل، ما فعله وما أنجزه، كانت ترد عليه بلامبالاة "نعم عزيزي، رائع"، وتسكته حتى تتابع قراءة المجلة التي تنقل أخبار العائلة في المجتمع أولاً بأول.
وقد عرف ياغيز تماماً ما الذي أرادته والدته من هذا الوقوف الطويل مع أردال، لقد تمنت أن تلتقط صحيفة ما صورة لهم، وأن يعتقد البعض أنّه مدعوٌ لتناول الغداء معهم، وهذا سيظهر صورة العائلة بشكل لامعٍ جداً، الجلادون والضحايا على طاولة واحدة، يتناولون الغداء ويتبادلون أطراف الحديث، كأن الحادث المروع لم يحدث أبداً، لكن ياغيز في قرارة نفسه عرف أنّ عائلته وعائلة أردال، أو أي عائلة من عائلات الضحايا لن يكونوا يوماً أصدقاء، وأنّ الحياة العادية بينهم مستحيلة حقاً! لكن منطق أمه كان واضحاً "تمسك بمعاطف الأبطال لتصبح بطلاً" وعليه راحت تلمّع أردال وتعتني به لمدة أربع سنين والمدة تزيد، وقد استعملته كحمار عرض في كل لقاء جرى بينهما العام الماضي، وحتى الآن، كانت لا تزال مصرة على هذا.
أنت تقرأ
حُطام | BROKEN
Romanceشعر ياغيز بشيء يشبه الشفقة تجاه المرأة التي أمامه. لقد أقلقته هذه الشفقة إلى مدىً بعيد، لكن ما أثار اشمئزازه هو أنَ أحداً ما تمكن من تحطيم هازان شامكران إلى درجة جعلت من الصعب أن يتعرف عليها أحد.