الوقاحة

250 14 3
                                    

6/ تشرين الثاني (نوفمبر).

كان هناك فراغ عميق في داخلها.

عميق جداً لدرجة أن هازان لم تستطع تحديد مكانه بالضبط، لكنها شعرت به، كان هذا الفراغ هو الفراغ الذي دفنت فيه ذنبها، كان مكاناً متغيراً على الدوام، لم يتوقف أي شيء عن التغير داخلها، والشيء الوحيد الذي ظل ثابتاً هو الإرهاق المؤلم، كان تعباً لا يمكن لأي قدرٍ طويلٍ من النوم علاجه.

عندما كان الإرهاق مستنفذاً لطاقتها وجدت نفسها تحدق في اللاشيء، حدقت وتساءلت إن كانت هذه حياتها أم مجموعة من الكوابيس غير السارة التي ستحاصرها إلى الأبد، تمنت هازان أن يكون هذا هو الحال، أن يكون كل شيء حلماً، أن تكون عالقة بين العوالم ثم فجأة تستيقظ وتجد نفسها ما زالت في الثانية والعشرين من عمرها، خريجة جديدة، سعيدة، حياتها كلها أمامها.

لكنها في السابعة والعشرين من عمرها الآن وقد أدركت متأخرة أن الحياة ما كانت لتكون بسيطة أبداً، لقد كانت ستصير جحيماً، لكنها بالتأكيد لن تكون كما هي عليه الآن، كان سيكون لديها أصدقاء تحادثهم، تتكئ عليهم، تعانقهم، تحبهم، أين هؤلاء الأصدقاء الآن؟ هناك ياسمين، لكنها لم تكن صديقة، كانت علاقتها بها عبارة عن رباطٍ نشأ بسبب اليأس في ليلة مروعة كتلك.

تخلي جوكهان عنها في تلك الليلة آلم روحها بقدر ما آلمتها الكسور والرضوض في جسمها، علاوة على كل الآلام التي كانت تشعر بها، كانت تعرف أنها إن سمحت لنفسها أن تشعر بألم تخليه عنها فإنها ستموت بكل تأكيد.

لذلك، سمحت هازان لنفسها أن تفكر بالحياة بمنظور الفتاة التي كانت يوماً في الثانية والعشرين من عمرها.

كانت تلك السنة من أجمل سنوات حياتها، قبل أن يتدهور كل شيء في طريقه إلى الجحيم، لقد كانت الحياة حينها واعدة، مليئة بالفرص، فرص العمل والحب والحياة، ورغم الخوف من المجهول الذي يصاحب كل مرحلة جديدة من الحياة إلا أن ذلك الخوف كان أفضل بكثير مما هي فيه الآن، أفضل من كونها جالسة في سرير في مشفى.

لم تكن الحياة في الثانية والعشرين محبطة لهذه الدرجة.

شعرت هازان بيد على كتفها، لكنها تجاهلتها، كانت تحدق خارج النافذة، ولم تكن مستعدة لإبعاد ناظريها عنها بعد، لقد شعرت أنها محاصرة في سرير المشفى هذا، ففي الخارج كان الجو لطيفاً جداً، كانت السماء خريفية بامتياز، مثالية وصافية، لونها سماوي غني، كانت الشمس مشرقة، لكن الجو لم يكن شديد الحرارة أو شديد البرودة، كان جميلاً، كان هناك نسيم خفيف أيضاً، عرفت هازان ذلك من فروع الأشجار التي تتمايل خارج نافذة المشفى.

انضمت يد أخرى إلى اليد التي كانت على كتفها، وأبعدت شعرها عن عيونها.

رمشت هازان بعينيها، وراحت تخدش يدها بأظافرها كأن جلدها ضيقاً عليها، يبدو أن كل شيء يضيق عليها مؤخراً، وكل ما أرادته هازان أن تكون مخدرة، أن تتوقف عن الشعور بكل شيء، أن تتوقف عن الشعور بالذنب، والألم.

حُطام | BROKENحيث تعيش القصص. اكتشف الآن