راقب المطعمُ كله بفكٍ مرتخٍ كيف مشى جوكهان من فوق هازان وعاد إلى طاولته.
وهنا ضاع ياغيز تماماً.
فلم يعرف إن كان مفتوناً أم مرتبكاً، ولهذا اكتفى بالدهشة، وفي خضم دوامة المشاعر التي انتابته، فاته نهوض ياسمين من مقعدها، فمنذ ثانية كانت جالسة أمام أمه، والآن يراها تمشي مسرعة وسط المطعم وهي تصرخ بأعلى صوتها على جوكهان وتدافع عن هازان: ماذا أصابك أيها الملعون؟ أين أخلاقك؟ لماذا لم تساعدها!
ثم ساعدت ياسمين الفتاة الواقعة على النهوض، واتجهتا معاً نحو الحمامات، ولم يفت ياغيز الإحراج المرتسم على وجه هازان وهي تقبل مساعدة ياسمين.
قرص ياغيز نفسه، إذ أن مشهد ياسمين تساعد أحداً آخر غير نفسها، كان أمراً كالحلم تماماً، بالتأكيد كان ما يزال في فراشه يحلم، وياسمين لم تساعد أحداً، بالذات لم تساعد هازان.
ما كان يمر به لم يكن حقيقياً، وهو بهذا لا ينكر الواقع، إنما ينتقي ما يريد أن يصدقه منه.
لكنه لم يكن الوحيد الذي صدمه تصرفه ياسمين، كل مَن في المطعم، من أصدقاء قدامى، أو معجبين بياسمين ودورها في عالم الأزياء، كانوا على علم تام بأنها قاسية، وعلم ياغيز أن الأخبار ستنتشر عاجلاً أم آجلاً حول هذا الموقف الغريب.
ولأول مرة منذ فترة طويلة شعر ياغيز بالحيرة، ولم يكن هذا شعوراً محبذاً لديه!
ما الذي حصل للتو بين هازان وياسمين؟
وما الذي حصل بين هازان وجوكهان؟
بل بحق الجحيم ما الذي حصل بين هازان والعالم كله!
سألت والدته بعد ما بدا أنه ساعاتٍ من الصمت: ما كان هذا؟!
كان رده الصادق: أنا مرتبك مثلك تماماً يا أمي..
لكنه كان عازماً أن يجد إجابات عن أسئلته..
قالت والدته متعاطفة وهي تنظر باتجاه طاولة جوكهان: تلك الفتاة المسكينة، أنا لا أصدق أنه لم يساعدها! أما ياسمين فأمر آخر، لم أدرك أنها وهازان مقربتان هكذا لتدافع عنها.
قضم ياغيز قطعة من اللحم الذي أمامه، وراح يمضغ بعناية، ولم يعد يعرف ما الذي عليه أن يفكر فيه بعد أن حدثت كل هذه المستحيلات في غضون بضع دقائق فقط.
كان غضب أمه ما زال في بدايته: لم أرها هنا حتى، هل رأيت أحداً بصحبتها؟
لكنه استمر بمضغ طعامه، وتجاهل سؤال أمه الذي يعرف إجابته، لقد كانت هازان بمفردها بكل تأكيد.
فمنذ أن دخلوا المطعم، التقطت عين ياغيز مكان جلوسها على الطاولة بعيداً عن الجميع وحدها، ورأسها ملتصق بالكتاب، كان يعرف أنها عادت إلى البلاد منذ فترة وجيزة، فقد رأى اسمها بين الموظفين الجدد في وزارة الإسكان.
أنت تقرأ
حُطام | BROKEN
Romanceشعر ياغيز بشيء يشبه الشفقة تجاه المرأة التي أمامه. لقد أقلقته هذه الشفقة إلى مدىً بعيد، لكن ما أثار اشمئزازه هو أنَ أحداً ما تمكن من تحطيم هازان شامكران إلى درجة جعلت من الصعب أن يتعرف عليها أحد.