المشاركة لا تعني الاهتمام

505 28 8
                                    

لقد أحبت كريمة يلدز ابنها محبة لا مثيل لها، هذه الحقيقة كانت واضحة لهازان ما إن جلست معهما على نفس الطاولة.

لقد مدحته عندما قال أو فعل شيئاً ممتعاً، ووبخته حين تصرف كالوغد الذي تعرفه هازان منذ شبابها، وابتسمت بفخر وهي تستمع إليه يتحدث عن وظيفته وإنجازاته في الوزارة وفي عمل العائلة الخاص.

راحت هازان تأكل كعكة التوت البري وهي تحاول الاستماع للمحادثة التي تجري أمامها، لكن دماغها كان قد تجاوز حدّ الاستيعاب! أربع محادثات متتالية مع أصدقاءٍ قدامى في يوم واحد كان أمراً كثيراً عليها لتتحمله.

الجميع تغير نحو الأفضل، وأين كانت هي بينما راح الجميع يحقق طموحاته؟

كانت لا تزال في نفس المكان الذي كانت فيه منذ خمس سنوات: فتاة خاسرة، مذنبة، متأذية، وتفتقر للهدف.

من رماد الفتى المغرور نما رجلٌ ناضج جداً كانت تجلس إلى طاولته الآن، رجلٌ ناضج، لكنه مفرط الثقة بنفسه أيضاً، ولهذا لم تستطع هازان أن تنظر إليه على أنه الفتى البغيض الذي عكر عليها أول سنتين لها في الجامعة.

 لا، كلّ ما رأته حين نظرت إليه هو الرجل الذي كان ذات يومٍ شاباً نعتها بـ"ابنة الخادمة" أمام الجميع وتلقى صفعة على وجهه جراء ذلك.

كادت هازان تجفل من الذكرى الأليمة لهذه الكلمات، لولا أنها دفعت التفكير بها بعيداً إلى مكان سحيق في عقلها حيث تتجمع كل ذكرياتها المؤلمة الأخرى.

سمعت السيدة كريمة تقول بابتسامة: هل يمكنني أن آكل لقمة من قطعة الكعك الخاصة بك يا ياغيز؟

أجابها بجفاء: لا.

خلال أول عشرين دقيقة من جلوسها معهم، استمعت هازان بهدوء لحديثهم الخامل عن ثوبٍ ما كان لونه بلون اليوسفي، ثم انتقالهم للحديث عن آخر حفلة حضرها الاثنان معاً.

كان من السهل عليها أن تتجاهل نظرات ياغيز التي تراقب كل حركاتها، أو هكذا بدا عليها، لكنها في أعماقها كانت تشعر بالارتياب والقلق الشديد، كانت دعوة ياغيز لها لتناول الحلوى فخاً بكل تأكيد، ولهذا كانت تنتظر متى ستقع بهذا الفخ، وطال انتظارها حتى باتت تتساءل إن كان الأمر فخاً حقاً.

ربما كانت نواياهم شريفة، على الأقل نية السيدة كريمة، بما أنها كانت لا تضمن أي شيء يتعلق بنوايا ياغيز.

راحت هازان تتحرك بعدم ارتياح في مقعدها، صحيح أن الاثنين وعداها أنهما لن يسألاها أي أسئلة تبدو كأنها أسئلة محقق شرطة، إلا أنها كانت لا تزال متوترة جداً، فلقد جعلها الإحراج الذي تسببت فيه حادثتها مع جوكهان تشعر بأنها هشة ومضطربة، أما محادثتها مع ياسمين فقد زادت من اضطرابها.

وعلى الرغم من أنها كانت مرهقة للغاية إلا أنها حافظت على دفاعاتها، فلم تتهاون أبداً بأي ردة فعل أبدتها، حين تحدث إليها أحد تحدثت إليه، وحين سألها أحدٌ سؤالاً أجابت عنه، لكنها ظلت هادئة جداً بقية الوقت.

حُطام | BROKENحيث تعيش القصص. اكتشف الآن