كان الهواء في المقهى كثيفاً، عابقاً برائحة حبوب البن، والكعك، والمربى، والعسل، والحلويات.
وكانت أصوات الموسيقا الكلاسيكية تملأ المكان.
بشكل عام كان الجو هادئاً إلى حد ما، موسيقا خفيفة وثرثرة الزبائن المنخفضة، وأصوات بعيدة لآلات طحن البن.
جلس ياغيز يلدز على طاولته المخصصة لشخصين في زاوية آخر المقهى، ومنحه موقع الطاولة رؤية مثالية للشوارع الصاخبة في الخارج وسط مدينة إسطنبول.
احتسى قهوته التركية والتقم كعكته بينما كان ينظر من النافذة.
في حين كان الجو لطيفاً في المقهى إلا أن قصة مختلفة جرت في الخارج.
كان هناك جدار زجاجي بشكل كامل يفصل بينه وبين الأجواء في الخارج، وكان ممتناً لهذا، فقد كانت السماء تزمجر طوال النهار وكأنها تحذرهم قبل هطول أمطار كثيفة مرة أخرى..
لقد هطلت الأمطار بغزارة في الأسابيع القليلة الماضية، ولكن بخلاف الزخات الثلجية التي هطلت قبل أسبوعين تقريباً عندما أنقذ حياة هازان فإن الثلوج لم تتساقط مرة أخرى، مما أثار ذهول أمه لأنها كانت تتوقع أن تكون أجواء عيد الميلاد بيضاء تماماً..
تذكر كريمة وهي تخبره أن الثلج جعل قصر العائلة يبدو وكأنه واحد من القصور القديمة التي قرأت عنها في القصص عندما كانت طفلة، وكان عليه أن يصادق على كلامها، لأن القصر والثلوج لم يهماه على الإطلاق.
في الحقيقة لقد أراد للثلج أن يهطل لتتوقف والدته عن الشكوى..
وكان يريد للثلج أن يهطل حتى لا تتحدث والدته عن مدى شوقها لعودة والده من المشفى غداً..
لقد كان في المشفى منذ الليلة التي حاول فيها أن يخنق ياغيز والتي خلفت كدمات خفيفة على رقبته والتي أمل أن لا يلاحظها أحد..
ولخوفه ولسعادة أمه، كان والده سيعود إلى المنزل فقط ليقضي موسم الأعياد، لتجتمع العائلة معاً..
لقد فحصه خمس أطباء، وكلهم زعموا أنه لم يعد يشكل تهديداً على الآخرين لأنه يتناول أدويته بانتظام.
لكن هذا لم يكن رأي ياغيز..
أظلمت السحب البيضاء المنتفخة فوق إسطنبول وتحول لونها إلى رمادي بائس، واستقر الضباب فوق المدينة، وجعلت هذه الأجواء المدينة تبدو وكأنها في ساعات الصباح الأولى، مع أن الساعة كانت الثانية عشر وخمساً وأربعين دقيقة..
ألقى ياغيز نظرة إلى ساعته الفاخرة، لقد تأخرت 15 دقيقة..
عبس وارتشف رشفة طويلة أخرى من كوب قهوته الذي برد، كان يود أن يقول إنه لم يولي أية أهمية لتأخرها، لكنه وجد نفسه منزعجاً بعض الشيء من عدم التزامها بالمواعيد، خاصة وأن ذلك كان أمراً غير معتادٍ منها..
أنت تقرأ
حُطام | BROKEN
Romanceشعر ياغيز بشيء يشبه الشفقة تجاه المرأة التي أمامه. لقد أقلقته هذه الشفقة إلى مدىً بعيد، لكن ما أثار اشمئزازه هو أنَ أحداً ما تمكن من تحطيم هازان شامكران إلى درجة جعلت من الصعب أن يتعرف عليها أحد.