5/ تشرين الثاني (نوفمبر).
أول شخص زارها كان رئيسها في العمل.
وبعد أسبوعين أو أكثر من الحادث، كان غضب رئيسها لم يهدأ، كان لا يزال غاضباً على الوازرة وموظفيها الأغبياء، وظل يصرخ لمدة ساعتين متتاليتين: ما زلت لا أصدق أن هذا حدث! لن تستطيعي العمل لمدة طويلة الآن، وأنا لن أتركك تجهدين نفسك أبداً، أنا أهتم بموظفي، حتى وإن كانت الوزارة لا تهتم بهم.
حاولت هازان أن تتحدث، لكنه لم يتح لها الفرصة، وتابع: هل تعرفين؟ سأنسحب من العمل المشترك مع الوزارة، وهذا الانسحاب لن يؤثر على أرباحنا، لكنه سيؤثر على الوزارة، لن ترغب أية شركة في العمل معهم بعد هذا الحادث..
توقفت هازان عن الاستماع منذ مدة، لم يكفِ مديرها أنه راح يشتم باللغة التركية، بل أضاف لسيل شتائمه بعض الشتائم العربية والألمانية والإنكليزية.
كان مديرها قد أحضر لها بعض الزهور، لكن في فورة غضبه دمر الإناء عن طريق الخطأ، وسقطت المياه والزنابق على الأرض، ولولا وصول دمير مع وجبة إفطارها كانت هازان واثقةً أن مديرها سيبقى بصحبتها لمدة يوم كامل يصرخ، مع هذا كان من الجيد معرفة أنه يهتم بها، بطريقته الخاصة..
اليوم تحدثت هي ودمير دون أي إحراج، سمعته يقول: تعتذر ياسمين عن الحضور، هناك مشكلة مع إحدى عارضات الأزياء، كان عليها استقلال الطائرة بسرعة صباحاً، لكنها ستعود بأسرع ما يمكن.
لقد اعتادت هازان على شجار ياسمين مع الممرضات، كما اعتاد الأطباء عليها، وبدا من الغريب أنها لن تكون بصحبتها قريباً، ستفتقد هازان دعاباتها: أوه، حسناً..
ساد الصمت لبضع دقائق قبل أن يسألها دمير: ما أكثر ما تفتقدينه في إيطاليا؟
أرات أن تقول "ابني" لكن الذي نطقت به شفتيها كان: الطعام.
قهقه دمير: أنا أفتقد الطعام أيضاً، لكن والدتي تعلمت بعض الوصفات، كانت تطبخها لي دائماً.
حافظت هازان على صوتها ناعماً: هل تفتقدها؟
ابتسم دمير: ليس فعلياً، لم تكن تعتني بي كثيراً، لقد ربتني المربيات والخادمات، في حين كانت هي تدور العالم بصحبة أزواجها الأثرياء.
قالت هازان: مع هذا، آسفة لخسارتك لها.
ساد صمت ثقيل آخر بينهما قبل أن تسأل هازان: قد يكون هذا سؤالاً شخصياً، ولكن هل ما زلت ستتزوج أنت وياسمين؟ ما زلت أذكر يوم الخطوبة التي لم تتم.
بدا دمير غير مرتاحاً للحظات قبل أن يتنهد ويجيب: أنا واقع في حب ياسمين، وربما سأحبها حتى آخر يوم في حياتي، وإذا ألمحت لي ولو تلميحاً صغيراً أنها تريدني زوجاً، سأتزوجها غداً، ومع ذلك، هي غير مستعدة بعد، لذلك سنبقى على حالتنا حتى تصبح ياسمين جاهزة.
ابتسمت هازان: أتعرف؟ إنها تحبك أيضاً.. بطريقتها المجنونة.
أومأ برأسه: لقد أخبرتني ياسمين عن أنقرة، وعن كل شيء فعلتيه لأجلها، شكراً لكِ لإنقاذها، أردت أن أشكرك منذ أن رأيتك أول مرة في الوزارة ذلك اليوم، لكنني لم أرغب في إخافتك.
وهنا جاء دور هازان لتشعر بعدم الارتياح.
قال دمير: ما لا تعرفينه عن ياسمين هو أنه بقدر ما تقول إنها تعافت، وإنها تمضي قدماً، إلا أنني أعرف أنها لم تتعافى تماماً بعد.
قطبت هازان حاجبيها: ما الذي تقصده؟
أجابها: إنها تجفل أحياناً، وتكره أن يلمسها أي أحد، إنها دائماً على دراية تامة بكل ما يحيط بها، لا ترتاح في أي مكان خارج بيتها، ولا يدخل أحد أي مكان دون أن تلاحظ دخوله، إنها لا تخرج بمفردها بالليل أبداً، ولا تمشي في الأزقة، وتنام وكلّ الأضواء في منزلها مضاءة.
تمتمت هازان: أنا لا أحب الأزقة منذ تلك الليلة أيضاً.
حدق بها دمير لبضع لحظات قبل أن يقول: لن أجعلها تعيش علاقة هي غير مستعدة لها، عندما تكون جاهزة، ستعرف أنني أنتظرها.
ثم انتقلت المحادثة إلى مواضيع أخف، وجعلها دمير تبتسم لأول مرة حين راح يقلد رئيسها في العمل.
ثم سألته هازان: لماذا ما زلت تأتي إلى هنا وتحضر لي الطعام وتجلس معي تحدثني؟
هز دمير كتفيه: بما أن الوزارة لم تعاملك بشكل لطيف، فأنا سأفعل.
كان هذا آخر ما قاله دمير قبل أن يطل السيد ناظم برأسه من الباب.
استقبل دمير مديره في العمل بهدوء، وقال شيئاً عن استمرار إجازته قبل أن يتركهما بمفردهما.
أحضر السيد ناظم الأزهار، وأخبرها أنهم أوقفوا جوكهان عن العمل لمدة أسبوعين عقوبة له، وأنه سيبقى عالقاً في العمل المكتبي حتى تسامحه.
لم يكن عليها أن تخبره أن جوكهان سيبقى عالقاً في العمل المكتبي حتى مدة طويلة جداً.
بالطبع كان لزيارة السيد ناظم سبب آخر: لقد تلقينا إشعاراً بأن شركتك ستنسحب من العمل المشترك معنا، وإن لم يكن هناك مشكلة، أرجو منك مطالبة رئيسك بإعادة النظر، إذا تم ذلك، سيكلفنا الأمر كثيراً من المال، ومن السمعة أيضاً.. وعملي كذلك.
تظاهرت هازان أنها تفكر ثم قالت: سأحاول، لكنني لا أعدك أن محاولاتي ستجدي نفعاً.
بعد دقائق من مغادرة السيد ناظم، مد دمير رأسه من الباب وقال لها "وداعاً".
أنت تقرأ
حُطام | BROKEN
Romanceشعر ياغيز بشيء يشبه الشفقة تجاه المرأة التي أمامه. لقد أقلقته هذه الشفقة إلى مدىً بعيد، لكن ما أثار اشمئزازه هو أنَ أحداً ما تمكن من تحطيم هازان شامكران إلى درجة جعلت من الصعب أن يتعرف عليها أحد.