-الفصل الواحد و الخمسون-

2.1K 58 26
                                    

الصّمت هو الصوت الوحيد الذي كان يسمع في غرفة البهو..لقد تنازلت على مضض للجلوس معهما..لولا نظرة كريم التي منحها لها ما إن رفعت رأسها نحوه بعد استيعابها لفعلته لترمقه بأكثر نظرة مغتاظة في العالم..لما تنازلت أبداً و لما كبحت تلكٓ الرغبة الجامحة التي راودتها في طردهما..

لقد كانت نظرته لها حازمة رغم ابتسامته المتأسّفة المستفزة..قبل أن ينصرف تاركاً إياها بمفردها معهما..

عملياً..كانا أقرب شخصان إليها..لكن قلبياً..فهي لا تمتلكُ في هذا العالم إلّا شخصاً واحداً..هو فقط من يحتل كل مساحة في قلبها و حياتها..هو فقط من يستحوذ على كل ذرة حب موجودة لديها..

هو جانبها اللطيف و الأبيض..و الذي يجعلها دائماً تشعر بجانبه بأنها إنسانة أجمل و أفضل!

كان أول من تكلم أخوها سامر..ذلكٓ الذي قال بعد صمتٍ طويل مضطرب..همس بنبرة خافتة و عينيه بالكاد ترتفعان لتحدقان في عينيها مباشرة ؛

_كيف...حالك ؟!!

كان يشعر بالخجل..لأول مرة يشعر بالخجل أمامها فعلاً!

لقد استطاعت هناء أن تلمح ذلكٓ في عينيه اللتان تحتلهما نظرة إنسان يشعر بالخزي..و صوته الذي يخاطبها بهذه النبرة التي بدت دافئة أكثر ممّا يمكنها تصوره..لكنها لم تتأثر فعلياً..و لم تجب سؤاله رغم الرعشة الداخلية التي شعرت بها إزاء حاله..

قالت بصلابة لطالما دربت نفسها على التسلح بها ضد أكثر أناس تسببوا لها في الأذى..عائلتها!

_ما الخطب ؟!

سألت بعملية و بنبرة جافة خافتة..و قد كانت توجه سؤالها ها هنا للإثنان اللذان جلسا على نفس الأريكة بجانبها..حتى سمير الذي لم ينبس بحرفٍ و كأنه أوكل مهمة التكلم إلى أخيه الأكبر..

تفاجئت بشدة من تلكٓ النظرة التي رمقها بها سامر..لقد نظر لها بـ...بدهشة ؟!! مهلاً..ما الذي كان يتوقعه منها ؟!! ما الذي عليها هي أن تتوقعه منهما ؟!!

لطالما نظروا لها على أنها مجرد غاية..حزمة متنقلة من المال..و التي يعتمدون عليها في وقتِ الحاجة قبل أن يلقوا بها في أحد الأدراج البالية !

لم يستطع أن يرد..فتنهدت هناء بلا صوتٍ..و استدارت قليلاً لتنظر أمامها بصمت امتد للحظاتٍ أخرى..قبل أن تنظر لهما مجدداً لتهمس هذه المرة بنبرة بطيئة حذرة..قاسية!

_هل الأمر يتعلق بالمـا............

الآن فقط وجدته يقاطعها..قال يهز رأسه بالنفي بقوة ؛

_لا لا..

ثم ابتلع ريقه و عاد يهمس بصوتٍ شحب فجأة ؛

_لقد أتينا لرؤيتكِ فحسب..

لم يستغرب أبداً نظرة السخرية المريرة التي احتلت عينيها بعد رده..فزم فمه قليلاً..قبل أن يدس يده في جيب معطفه الرياضي و يخرج شيئاً ما لم تنتبه له هناء إلّا حينما مده نحوها مردفاً..لا يزال خجله يمنعه من النظر صوب أعينها مباشرة!

وهم الكبرياء (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن