الفصل الرابع والأربعين "السيطرة على القلق"

705 30 106
                                    

الفصل الرابع والأربعين من رواية رُفات الهوىٰ.

القلق مثل الكرسي الهزاز،
يمنحكَ شيئًا تفعله،
لكنه لن يوصلك لشيء.

_ديوجينيس

__________________________________________

تجلس "أمنية" في شرفتها مُمسِكة بهاتفها بضيق ويجول بعقلها سؤال كيف يمكنها حلّ مُشكلتهما بطريقة تُناسِب كلاهما، فكرت أن تبدأ الحديث ولو لمرة واحدة لتتراجع في نهاية الأمر خشية أن يصدها ويمتنع عن سماع أي مُبرِر قد تنطق به، شهيق يتبع زفير يتزامن معه تفكير في أكثر من اتجاه، تارة تتشجع لأخذ خطوة للأمام في علاقتهما حتى لا يكن مصيرها الانتهاء باكرًا، وتارة تهاب الشِجار ثانيةً ولا تتحمل حينها حديثه، في ظلّ حيرتها المُسيطِرة عليها استمعت لرنين هاتفها باسم "حبيب روحي"، في لحظات تبدل حالها للسرور وانشراح صدرها لتمسك بهاتفها وقبل أن تنطق بحرف استمعته يردف بنبرة هادئة هدوء حقيقي وليس كَذِب مثلما السابق.

_أنا واقف قدام باب الفيلا، انزلي.

أغلقت الهاتف ودلفت للغرفة تنظر في المرآة أنها ترتدي حجابها صحيحًا فكانت تجلس برداء الصلاة، لتهبط مُسرِعة ولكن تتباطء حركتها عند رؤيته يوليها ظهره، التفت نحوها عندما شعر بتقدمها نحوه وأشار بيده نحو الطريق الذي يصل إلى الحديقة الثانية التي تُطِل على البحر وتوجد جلسة عربية عبارة عن وسائد موضوعة على الأرض الرملية وبعض الكؤوس التركية، وقفت على حافة الشاطئ ليتقدم ويقف أمامها ويديه خلف ظهره مما جعل الفضول يتملكها لتعرف ما يُخفيه عنها، نظر لها بعيون تحمل جميع كلمات الاعتذار لأنه لم يتفهمها لتتواصل عينيهما في أسف مُتبادَل، أردف بنبرة رخيمة وملامح وجهه تحمل هدوء حقيقي عكس ذلك المُزيَّف الذي تظاهر به ليواري ضيقه الشديد من  فعلها.

_أنا فاهم إني كان مفروض أقدر إنك لسه ماتأقلمتيش على حياتك الجديدة، واتسرعت إني مافكرتش في حاجة زي دي، أنا أول مرة أصالح حد بس أنتِ بالذات أعمل أي حاجة في الدنيا ليكِ وهتبقى عن طيب خاطر ورضا، حقك على قلبي إني ضايقتك حتى لو بنظرة يا عيوني.

اختتم حديثه يُخرِد ما يُداريه خلفه وكان عبارة عن باقة صغيرة من الورود المصنوعة من الستان وفي المنتصف تحمل عُلبة صغيرة باللون الأبيض مثل لون الزهور لتأخذها منه مع ابتسامة أضائت عينيها وروحها، ربح قلبها أنَّه لم يترك للحزن بابًا بينهما يُفسِد ما يحاول بنائه، فالهدم أسهل ما يمكن أي بشر يفعله، كل شيء يُمكن إفساده بسهولة وفي غمضة عين يُصبِح كل ما اجتهدنا في تكوينه سراب لامع في الأُفق لا وجود له.

حمحمت بخجل تحاول الوصول لنبرة صوتها الطبيعية لتخرج متوترة خافته وتجول عينيها بينه وبين باقة الزهور.

_أنا كمان آسفة لأني خرجت في وقت زي ده ومن غير ما أقولك، بس ماعرفتش أوضح موقفي.

_بقولك إيه كفاية اعتذارات، أنا هكنسل حجز الكورة ونقعد في الجو الحلو ده.

رُفات الهوىٰحيث تعيش القصص. اكتشف الآن