الفصل التاسع والأربعين "والحب يعترض اللذاتِ بالألمِ"

814 26 16
                                    

الفصل التاسع والأربعين من رواية رُفات الهوىٰ.

"الحُبّ ليس رواية شرقية بختامِها يتزوج الأبطال،
ولكنها الابحار بلا سفينة، وشعورنا أنَّ الوصول مُحال.."

_نزار قباني.
#رُفات_الهوىٰ.

________________________________

ابتسمت العاملة بعد قراءة ما بالملف ثم نظرت صوب ذلك الواقف مُتوتِرًا خائفًا، يضم يديه في قلق يغلف الجو العام، استمع لصوت "أروى" تقف بجانبه وتضع كلتا يديها في جيوب الرداء الطبي الذي ترتديه لتردف بإبتسامة تجعل ملامحها تنطق بالفرحة والأمل.

_عمي "طه" خرج وهيكمل علاجه في البيت لأنه شفي بنسبة 40% تقريبًا، ما شاء الله مُستجيب للعلاج بصورة سريعة وده بسبب الدعم النفسي اللي بتقدموه ليه، ربنا يتم شفائه على خير.

وقف ثوان يستوعب ذلك الخبر الذي كان يدعو به طوال الليلة الماضية عندما أخبرته بوجوب مجيئه اليوم التالي، لم يزوره النوم مُنذُ أن أخبرته، تضرع لله يدعو لوالده بالشفاء، بالرغم من سطحية علاقتهما ويتجنب الخوض في الحديث معه لأنه لم يستطع مسامحته لكنه يبره مثلما أمره بارئه.

عندما وجدته كهذا سحبته من يده نحو غرفة مكتبها ليجلس ثم أحضرت له كوب من العصير وجلست بجانبه في صمت مُندِهشة من صمته، صرَّف بصره نحوها وتبدل حاله من فرح لخوف رأته بعيناه، استند للخلف يشد على شعره بقوة ثم ألقى بسؤال مُفاجِأ يعلم أنها عاجزة عن الإجابة لكنه لم يستطع إخفائه.

_تفتكري هيسبنا تاني ويمشي؟

لزمت الصمت تنوي سماع كلماته المؤلمة ولأول مرة يفصح عن ما يملأ فؤاده، الآن بحاجة الحديث والإطمئنان بعدها، تابع بيأس تملَّك نبرة صوته والخوف الطاغي على قلبه من تكرار الماضي.

_أنا محتاجه، يمكن ماقولتهاش ولا مرة، ويمكن محدش هيفهم إن كل ما الواحد بيكبر بيحتاج أهله أكتر، أنا محتاج أمي وأبويا.

انتهى من حديثه تاركًا المكان بسرعة البرق ليهبط لأسفل ويستقل سيارته مُغادِرًا المشفى، نزعت رداء الأطباء وجذبت حقيبتها ثم تابعته وأخذت سيارتها تحاول اللحاق به لتراه يقود بسرعة جنونية حتى توقف فجأة في مكان شبه خالي من البشر، ترجل من سيارته واتخذ طريقه وهي خلفه حتى تبين المكان، ذهب لزيارة قبر أمه، كلما ضاقت به الدنيا يذهب لقبرها ويقص عليها حزنه مثلما كان يفعل في الصغر، ثم يدعو لها بالرحمة ويضع بعض الزهور على قبرها ويخرج ولكن ليس في أحسن حال، فقدانها كفقدان الأمان وبغيابها تتغير ملامح الحياة بالكامل، يُصبِح العالم غريبًا عنك حتى لو اجتمع كل المُحِبون حولك، لا شيء يُضاهي وجودها، الشعور بالغربة حتى في الأماكن المألوفة يصبح رفيقًا، ومهما مَرَّ العمر يصعب التأقلم على فكرة عدم وجودها، تظل عالقًا عند اللحظة التي تبين بها أنَّها لن تعود، يُصبِح الألم عميقًا لدرجة تجعلك صامتًا،عاجزًا عن العيش.

رُفات الهوىٰحيث تعيش القصص. اكتشف الآن