18

1.7K 25 3
                                    

فضاءات اليأس والأمل/ الجزء الثامن عشر

لا يعلم أي عواصف كانت تهب عاتية عنيفة في روحه..
وهو يجلس صامتا بجوار تركي في سيارته..
بعد أن وضع هاتفه على الصامت.. وطلب من سكرتيره إلغاء كل أعماله واجتماعاته..
لم يكن يريد أي مقاطعة لما هو مقبل عليه..
لما انتظره سبعة عشر عاما عاما بعام..
لما يستحق منه أن يعايشه بكل التركيز والتفاصيل..
(وأخيرا يا شهاب في الدوحة عقب 17 سنة.. وأخيرا!!)

نزل من سيارة تركي دون أن يتكلم.. وهو يحث الخطا إلى المجلس الذي لم يدخله سابقا
وإن كان دخل المجلس المجاور له كثيرا..
كان دوما ينظر له في كل مرة يزور تركي مشغولا به ويترقب.. إلى درجة أنه سأل تركي ذات مرة: ليه مجلسكم أنتو وعمكم موب واحد؟؟
كيف أخين جنب بعض وكل واحد له مجلس..

كان يتمنى بكل لهفة الكون اللحظة التي سيدخل فيها ذلك المجلس الآخر.. اللحظة التي تأخرت كثيرا.. كثيرا..
وكان يظن أنه سيبقى لثمان سنوات متطاولة أخرى حتى يدخله..
ارتبط ذلك المجلس في ذهنه بعودة شهاب..
وهاهو شهاب يعود..
وهاهو يخطو خطواته الأولى إلى داخل المجلس..

كانت صداقته مع شهاب تمتد لمراحل الدراسة الأولى..
لدخولهما الصف الأول معا.. رغم أن شهابا يصغر فُرات بعام واحد..
لكنه دخل المدرسة سابقا لعمره..
من يومها والاثنين يتزايد ترابطهما رغم الاختلافات بينهما..

كانا كثيرا ما يتشاجران.. نتيجة لاختلافهما في الرأي.. وخصوصا لقناعات فرات الغريبة عن المرأة العربية..
حاول شهاب جاهدا أن يمنع فرات من الزواج بامرأة أميركية..
رغم أن شهاب لم يكن عنده رفض لشخصية (أسماء) زوجة فرات الأميركية المسلمة المتدينة..
ولكنه رغم صغر سنه كان يرفض هذا الاختلاف الجذري والمكاني والثقافي بين شخصين سيجتمعان طيلة العمر وسيكون بينهما أطفال..
وحاول كثيرا اقناع فرات بهذا.. لكن قناعات فرات كانت راسخة..

سافر بعدها فرات ليدرس في أمريكا مع زوجته.. وترك فجوة فقد كبيرة في روح شهاب..
لكن التواصل لم ينقطع بينهما أبدا.. لا يستطيع أحد منهما أن يقدم على خطوة دون أن يستشير الآخر.. والاتصالات والرسائل البريدية الطويلة لا تتوقف بينهما..

قبل 17 عاما...
حينما اتصل أبوفرات بفرات وأخبره بما حدث صديقه.. كان فُرات حينها قد تخرج.. ويجهز العدة للعودة للدوحة..
ترك كل شيء دون تردد.. كل شيء حرفيا.. زوجته.. أولاده.. استعدادته للعودة.. عمله.. ففرات من وقتها كان قد بدأ أعماله الخاصة..

شهاب حينها كان أولويته الوحيدة.. لم يكن يفكر إلا في شهاب وحده..

وحين غادر فرات القاهرة مدحورا منكوبا موبوءا بالحسرة مسكونا بالفقد.. كان قد ترك جزءا كبيرا من روحه وراءه..
شطر روحه تركها خلفه..
احتاج زمنا طويلا كي يشعر بالتوازن في حياةٍ.. شهاب ليس فيها..
كتب له عشرات الرسائل الورقية التي لم تصله..
اتصل عشرات الاتصالات بذات الرقم التي لم يكن يرد عليه فيه إلا طالب والد شهاب..
وهو يهتف له بوجع ينحر روحه: الله كريم يا ولدي..

فضاءات اليأس والأمل / للكاتبة : أنفاس قطرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن